أولها: أن الآيات التي وردت دالة على الخفية والسر في الدعاء تدل على إثبات الجهر غير المفرط لا على منعه، وذلك بناءً على ما فسّره الفخر الرازي في (تفسيره) بقوله: إن الآيات تدل على جواز السر والجهر كليهما، وأفضلية السر للتضرع والخفية، وما يدل على ذلك أنه تعالى أمر بالدعاء مقروناً بالإخفاء، وظاهر الأمر الوجوب، فإن لم يحصل الوجوب فلا أقل من كونه ندبًا(١).
ثانيها: أن الحديث الصحيح المستدل به على الإسرار، يمكن الرد عليه ومناقشته من وجهين:
الوجه الأول:
أن الأمر في (أربعوا) ليس للوجوب حتى يُكره الجهر أو يحرم، وكيف؟ ومعنى الربع ينبئ عن أن الأمر إنما هو للتيسير عليهم، ولذا قال الشيخ الدهلوي في (اللَّمعات شرح المشكاة): في قوله (أربعوا): إشارة إلى أن المنع من الجهر للتيسير والإرفاق، لا لكون الجهر غير مشروع) ا. هـ.
فلا يثبت من ذلك إلا استحباب السر، ولا كلام فيه كما أشار إليه النووي(٢).
الوجه الثاني:
أن جهرهم كان مفرطًا كما يدل عليه سياق بعض الروايات، قال اللكنوني نقلاً عن صاحب (فتح الودود شرح سنن أبي داود): (رفعوا أصواتهم: دلالة على أنهم بالغوا في الجهر، فلا يلزم منه المنع من الجهر مطلقًا)(٣).
ثالثها: أن السر في الدعاء أفضل؛ لبعده عن الرياء، فلا ينفي ذلك الجهر بالدعاء؛ لما له من تأثير على القلوب وترقيقها(٤).
الرد على المجيزين للجهر بالدعاء:

(١) انظر: التفسير الكبير للفخر الرازي (٢١/١٨٠، ١٤/١٣٠) بتصرف يسير.
(٢) سبق تخريجه.
(٣) انظر: سباحة الفكر في الجهر بالذكر (ص٣٦-٣٧).
(٤) سبق تخريجه.


الصفحة التالية
Icon