أ- الاحتجاج بالخبر: أما الخبر فقوله عليه السلام: (رحم الله أخي زكريا ما كان له من يرثه)(١). وظاهره يدل على أن المراد إرث المال(٢).
وتعقب الحافظ ابن حجر هذا الخبر قائلاً: " وعلى تقدير تسليم القول المذكور، فلا معارض من القرآن لقول نبينا - ﷺ - :(لا نورث ما تركنا صدقة) فيكون ذلك من خصائصه التي أُكرم بها " (٣).
وفي هذا الشأن نقل القرطبي عن النحاس أنه قال في معنى هذه الآية: " للعلماء فيها ثلاثة أجوبة قيل: هي وراثة نبوة، وقيل: هي وراثة حكمة، وقيل: هي وراثة مال.
فأما قولهم وراثة نبوة فمحال؛ لأن النبوة لا تورث ولو كانت تورث لقال قائل: الناس ينتسبون إلى نوح عليه السلام، وهو نبي مرسل.
ووراثة العلم والحكمة مذهب حسن، وفي الحديث: (العلماء ورثة الأنبياء).
وأما وراثة المال فلا يمتنع، وإن كان قوم قد أنكروه لقول النبي - ﷺ - :(لا نورث ما تركنا صدقة).
فهذا لا حجة فيه؛ لأن الواحد يخبر عن نفسه بإخبار الجمع، وقد يؤول هذا بمعنى: لا نورث الذي تركناه صدقة لأن النبي - ﷺ - لم يخلّف شيئًا يورث عنه" (٤).
ب- الاحتجاج بالمعقول:
وذلك كما عرضه الفخر الرازي من وجهين:
الأول: أن العلم والسيرة والنبوة لا تورث، بل لا تحصل إلا بالاكتساب فوجب حمله على المال.
الثاني: أنه قال: ﴿ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾ [مريم: ٦] ولو كان المراد من الإرث إرث النبوة؛ لكان قد سأل جعل النبي - ﷺ - رضيًا وهو غير جائز؛ لأن النبي لا يكون إلا رضيًا معصومًا.
(٢) انظر التفسير الكبير (٢١/١٨٤).
(٣) فتح الباري (١٢/٨-٩).
(٤) تفسير القرطبي (١١/٨١).