فعلى هذا كل ما يكون من تعارض متوهم بين آيتين أو حديثين أو آية وحديث فليس في الواقع أو نفس الأمر وإنما هو في فهم الناظر والمجتهد لأسباب عديدة سأذكرها بمشيئة الله وعونه فيما يستقبل من هذا البحث بيد أني أريد أن يُعلم أن هناك سبباً رئيسياً ومرجعاً عاماً لكل ما سأذكره من أسباب إيهام التعارض وهو مقدار فهم المجتهد أو الناظر في النصين ومدى وقوفه على مشارب المخاطبين من بلاغة وإجمال وبيان أو جهة عموم وخصوص أو إحكام و نسخ أو تقيد و إطلاق أو ما يقع للحديث من جرح أو تعديل أو قبول أو رد.
وقد بحث العلماء قديماً وحديثاً عن أسباب إيهام التعارض فمتى عرفت هذه الأسباب أمكن دفع إيهام التعارض. يقول الغزالي في كتابه "المنقذ من الضلال": " إن العقل لا يهتدي إلا بالشرع، والشرع لا يتبين إلا بالعقل، فالعقل كالأساس، والشرع كالبناء، ولن يغني أساس ما لم يكن بناء وكذلك لن يثبت بناء ما لم يكن أساس، فمن هنا يستحيل أن يصطدم عقل صحيح بنقل صحيح". ا. هـ (١).
قال ابن القيم - رحمه الله -:
" وأما حديثان صحيحان صريحان متناقضان من كل وجه ليس أحدهما ناسخاً لآخر فهذا لا يوجد أصلاً ومعاذ الله أن يوجد في كلام الصادق المصدوق الذي لا يخرج من بين شفتيه إلا الحق. والآفة من التقصير في معرفة المنقول والتمييز بين صحيحه ومعلوله أو القصور في فهم مراده - ﷺ - وحمل كلامه على غير ما عناه به - أو منهما معاً - ومن هنا وقع من الاختلاف والفساد ما وقع "(٢).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:

(١) نقلاً عن مجلة المنهل- جدة العدد: ٤٤٩، ١٤٠٧ هجرية، ١٩٨٦ م، تحت عنوان : فضل الدعوة إلى الله وحكمها وأخلاق القائمين بها.
(٢) زاد المعاد (٤/١٤٩)، وانظر: شفاء العليل (١ / ٦٧).


الصفحة التالية
Icon