" قد يكون في القرآن آيات لا يعلم معناها كثير من العلماء فضلاً عن غيرهم وليس ذلك في آية معينة بل قد يشكل على هذا ما يعرفه هذا وذلك تارة يكون لغرابة اللفظ وتارة لاشتباه المعنى بغيره - وتارة لشبهة في نفس الإنسان تمنعه من معرفة الحق وتارة لعدم التدبر التام وتارة لغير ذلك من الأسباب"(١).
وقال الشاطبي:
" فإن الذي عليه كل موقن بالشريعة أنه لا تناقض فيها ولا اختلاف فمن توهم ذلك فيها فهولم يمعن النظر ولا أعطي وحي الله حقه ولذلك قال الله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ ﴾ [ النساء: ٨٢]، فحضّهم على التدبر أولاً ثم أعقبه ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [ النساء: ٨٢].
فبين أنه لا اختلاف فيه وأن التدبر يعين على تصديق ما أخبر به"(٢).
ويعد البحث في هذا الموضوع من أجلّ الأبحاث قدراً وأشدها صعوبة وأكثرها خفاء لأمرين:
الأول: ما يتعلق بهذه النصوص القرآنية أو الحديثية من الأحكام الشرعية التي يكون العمل بها وتطبيقها أو تركها أو حكمها من حيث الوجوب أو الندب وغيرهما مرهون بالاتفاق أو التعارض بين النصين.
الثاني: المسالك التي سلكها العلماء للجمع بين النصوص سواء الآية مع الآية أو الحديث مع الحديث أو الآية مع الحديث، مما أطال الموضوع بحثاً لذا عكفوا على معرفةالأسباب التي تؤدي إلى ذلك الإيهام.
من هذه الأسباب ما ذكره الزركشي في "البرهان" فقال: " فصل في الأسباب الموهمة الاختلاف. وللاختلاف أسباب:
الأول: وقوع المخبر به على أحوال مختلفة وتطويرات شتى، كقوله تعالى في خلق آدم إنه ﴿ مِنْ تُرَابٍ ﴾، ومرة من ﴿ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ﴾، ومرة من ﴿ طِينٍ لَازِبٍ ﴾، ومرة من
﴿ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ ﴾.
(٢) الاعتصام (٢ / ٣١٧).