فقد أرينا في هذه المسائل استثناء الأقل معاني من الأكثر معاني وأرينا في ذلك إباحة من حظر وحظراً من إباحة، وحديثاً من آية وآية من حديث وآية من آية وحديثاً من حديث". إلى أن قال: "كل ذلك سواء ولا يترك واحد منهما للآخر لكن يستعملان معا كما ذكرنا فهذا وجه".
الوجه الثانى: أن يكون أحد النصين موجباً بعض ما أوجبه النص الآخر أو حاظراً بعض ما حظره الآخر فهذا يظنه قوم تعارضاً - وتحيروا في ذلك وأكثروا وخبطوا خبط عشواء وليس في شيء من ذلك تعارض".
- ومثل ابن حزم لهذا الوجه فقال: "وذلك كقوله تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ ".
- وقال في موضع آخر: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ﴾.
- وقال عليه السلام: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء).
* فكان أمره تعالى بالإحسان إلى الوالدين معارض للإحسان إلى سائر الناس وإلى البهائم المتمالكة والمقتولة بل هو بعضه وداخل في جملته.
- ومثل نهيه عليه السلام أن يزني أحدنا بحليلة جاره مع عموم قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ﴾ - فليس ذكره عليه السلام امرأة الجار معارضاً لعموم النهى عن الزنا بل هو بعضه.
الوجه الثالث:
أن يكون أحد النصين فيه أمر بعمل ما معلق بكيفية ما أو بزمان ما أو على شخص ما أو في مكان ما ويكون في النص الآخر نهي عن عمل ما بكيفية ما أو في زمان ما أو مكان ما أو عدد ما أو عذر ما، ويكون في كل واحد من العملين المذكورين حكمان فصاعداً فيكون بعض ما ذكر في أحد النصين عاماً لبعض ما ذكر في النص الآخر ولا شيء آخر معه ويكون الحكم الثاني الذي في النص الثاني عاماً أيضا لبعض ما ذكر في هذا النص الآخر ولا شيء آخر معه ".


الصفحة التالية
Icon