قال ابن حزم: " وقد استعمل قوم بعض الوجوه التي ذكرنا في غير موضعه ونحن نوقف على ذلك ونري منه طرفاً ليتنبه الطالب للعلم على سائره إذا ما ورد عليه إن شاء الله عز وجل: وذلك أننا قد قلنا باستعمال الحديثين إذا كان أحدهما أقل معاني من الآخر بأن يستثنى الأقل من الأكثر فيستعمل الأقل معاني على عمومه و يستعمل الأكثر معاني حاشا ما أخرجنا منه بالاستثناء المذكور - فورد حديث النبي - ﷺ - بالنهى عن استقبال القبلة واستدبارها لبول أو غائط - وورد حديث بن عمر أنه أشرف على سطح فنظر إلى رسول الله - ﷺ - قاعداً لحاجته على لبنتين وهو مستدبر القبلة.
قال ا بن حزم: فقال قوم: نستبيح استقبال القبلة واستدبارها في البنيان ونمنع منه في الصحارى وأخطئوا من وجهين:
أحدهما: تحكمهم في الفرق بين البنيان وغيره وليس في شيء من الحديثين نص ولا دليل على ذلك بل وجدنا أبا أيوب الأنصاري وهو بعض رواة حديث النهي قد أنكر ذلك في البيوت - فلو عكس عاكس فقال: بل يستباح ذلك في الصحارى ولا يستباح في البنيان هل كان يكون بينهم وبينه فرق؟ - ومثل هذا في دين الله تعالى لا يُسلم ولا يتمادى فيه بعد أن يعيه ذو ورع لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ مع آيات كثيرة تزجر عن ذلك.
وليس في حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي - ﷺ - كان في بنيان بل قد وصفت عائشة رضي الله عنها أنهم كانوا يأنفون من اتخاذ الكنف في البيوت وأنهم كانوا يتبرزون خارج المنازل، والرواية الصحيحة أنه - ﷺ - إذا أراد أن يتبرز أبعد وليس لأحد أن يقول: إن ابن عمر إذا أشرف من السطح رآه في بنيان إلا كان متكهناً- فهذا وجه-.
والوجه الثاني:


الصفحة التالية
Icon