فبمجرد معرفتنا أن قوله تعالى في ندائه لبني إسرائيل ﴿ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ هو عام يراد به خاص وهم بنو إسرائيل - أو العالمين الموجودين وقت هذا التفضيل فلا مانع أن يأتي من بعدهم من هو أفضل منهم جهة العموم - وبهذا يندفع الإيهام بين الآية والحديث.
المطلب الخامس: الإطلاق والتقييد
عرف الأصوليون المطلق بأنه:
" ما تناول واحداً غير معين باعتبار حقيقة شاملة لجنسه " وقيل هو " النكرة في سياق الإثبات(١)، والمراد بالمقيد" هو ما تناول معينا أو موصوفا ًبزائد على حقيقة جنسه(٢).
- فقد يرد نص في القرآن الكريم أحيانا مطلقا - وترد السنة بنص مقيد لما ورد في القرآن وكلا اللفظين يتعلق بموضوع واحد أو يكون الحكم الوارد فيهما متحداً فينشأ عن ذلك إيهام تعارض بينهما.
ومن أمثله ذلك قوله تعالى: ﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا ﴾ [النساء: ١١] فقوله تعالى: ﴿ وَصِيَّةٍ ﴾ في الآية ورد مطلقاً - ويلزم منه على هذا الإطلاق جواز الوصية بقليل المال أو كثيره - أو بجميع المال فيوهم ذلك تعارضاً مع حديث النبي - ﷺ - لسعد بن أبي وقاص (الثلث والثلث الكثير)(٣) حيث يدل الحديث على عدم جواز الوصية بأكثر من الثلث والسبب في ذلك الإيهام هو وجود النص المطلق - والنص المقيد في موضوع واحد ويندفع ذلك الإيهام بحمل المطلق علي المقيد كما هو مقرر عند العلماء(٤).
قال الشاطبي:
(٢)... الإحكام للآمدي (٣ /٤)، وشرح الكوكب المنير (٣ /٣٩٣).
(٣)... أخرجه البخاري في كتاب: الوصايا باب: الوصية بالثلث (رقم ٢٧٤٤)، ومسلم في كتاب: الوصية باب: الوصية بالثلث ( ٣ /١٢٥٠، رقم ١٦٢٨).
(٤)... انظر: البرهان في علوم القرآن للزركشي (٢/١٦)، والإتقان للسيوطي (٢/٨٣)، والمستصفي للغزالي(٢/١٥٥)