من أمثلة ذلك قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ﴾ [البقرة: ٢٨٣].
فمفهوم الآية يدل على عدم جواز الرهن إلا في السفر وورد حديث أن النبي ﷺ (قد رهن درعاً له بالمدينة عند يهودي وأخذ منه شعيراً لأهله) (١).
فمنطوق الحديث يدل على جواز الرهن في غير السفر ـ فحصل الإيهام والسبب فيه هو إعمال مفهوم الآية وعدم الأخذ بشروط الاستدلال بالمفهوم كما هو مقرر لدى علماء الأصول ـ إذ لا يستدل بالمفهوم مجردا - مع وجود الدليل الصحيح الذي يدل على الحكم بمنطوقه(٢).
- فيزول هذا الإيهام من أصله بمعرفة أن المنطوق مقدم على المفهوم وأن الاستدلال بمفهوم المخالفة واعتباره طريقاً للدلالة على الأحكام عند من يقول بذلك من العلماء وهم الجمهور(٣) ويشترط له شروط فيها ما يتعلق بهذا المسألة هنا وهي:-
١- أن لا يكون في المسكوت المراد إعطاؤه حكماً هو سند حكم المنطوق- دليل خاص يدل على حكمه - فإن وجدنا هذا الخاص فهو طريق الحكم لا مفهوم المخالفة.
٢- أن لا تكون هناك فائدة أخرى للقيد الذي قيد به النص غير إثبات خلاف حكم المنطوق للمسكوت وذلك كالترغيب والترهيب وغيرهما.
- فهذا كله مما لابد من معرفته للإلمام والمعرفة الشاملين بكلا الأمرين: المنطوق والمفهوم في أوجه مخاطبات القرآن الكريم والسنة المطهرة وفي مجال الاستدلال بهما على بعض الأحكام. والله تعالى أعلم.
*... *... *
المطلب الثامن: الاختلاف في الموضوع

(١) أخرجه البخاري في كتاب: الرهن باب: الرهن عند اليهود وغيرهم (رقم ٢٥١٣)، ومسلم في كتاب المساقاة، باب الرهن وجوازه في الحضر والسفر (رقم ١٦٠٣).
(٢) انظر: الإحكام للآمدي (٣/٧٢)، وإرشاد الفحول للشوكاني (٢/٣٩)، وأصول الفقه لابن مفلح (٣/١٠٦٥) وما بعدها.
(٣) انظر في ذلك إرشاد الفحول للشوكاني (٢/٤٠)، والإحكام للآمدي (٣/ ٧٣).


الصفحة التالية
Icon