فهذه الآيات وما في معناها تتحدث عن أحوال بعض الأمم الماضية وذكرت طرفاً يسيراً من شرائعهم - وقد يستدل بها البعض على بعض الأحكام في شرعنا اتكالا على - قاعدة شرع من قبلنا - فيصادف ذلك إيهام لتعارض الأدلة عندنا لأنه قد يكون غير وارد في شريعتنا إذ ليس كل ما كان في شرع من قبلنا هو شرع لنا فهناك أصول وفروع والفروع تختلف باختلاف أحوال الأمم.
ومن الأمثلة على ذلك أيضا قوله تعالى: ﴿ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف عليه السلام: ١٠١].
فهذه الآية قد يستدل بها على جواز تمني الموت - مع أن حديث أنس رضي الله عنه قال رسول الله - ﷺ - (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به إما محسناً فيزداد وإما مسيئاً فلعله يستعتب - ولكن يقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)(١).
نهى عن ذلك فيتوهم الناظر تعارضا بين الآية والحديث - والسبب في هذا الإيهام هو أن الآية تتحدث عن شيء في شرع من قبلنا - مما نسخ حكمه في شريعتنا - فمن جهل العلم بكونه منسوخاً وقع في ذلك الإيهام.
هذا وقد دفع كثير من المفسرين هذا الإيهام بين هذه النصوص التي في شرع من قبلنا وبين ما ورد في شريعتنا وقالوا في هذه الآية هنا:- وهذا الدعاء يحتمل أن يوسف عليه السلام قاله عند احتضاره كما ثبت في الصحيحين(٢) عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - ﷺ - جعل يرفع أصبعه عند الموت ويقول اللهم في الرفيق الأعلى ثلاثاً.

(١) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات باب: الدعاء بالموت والحياة (٨/٧٦، رقم ٦٣٥١)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار باب: كراهة تمني الموت لضر نزل به (٤ /٢٠٦٤، رقم ٢٦٨٠).
(٢) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ( رقم ٦٥٠٩)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب في فضل عائشة رضي الله عنها (رقم ٢٤٤٤).


الصفحة التالية
Icon