- وأما المتفقان فإن علم تأخر أحدهما بطريق من تلك الطرق الثلاث المعتمدة(١) فهو الناسخ والآخر المنسوخ - وإن لم يدل عليه واحد منها وجب التوقف وقيل يتخير الناظر بين العمل بهما، هذا كله إن لم يمكن الجمع بين النصيين بوجه من وجوه التخصيص والتأويل، وإلا وجب الجمع لأن إعمال الدليلين أولى من إعمال دليل وإهدار آخر ولأن الأصل في الأحكام بقاؤها وعدم نسخها فلا ينبغي أن يترك استصحاب هذا الأصل إلا بدليل ٍبيّن(٢).
رابعاً: شروطه:
وقد اشترط علماء الأصول وغيرهم جملة من الشروط للنسخ منها ما اتفقوا عليه ومنها اختلفوا فيها - وسنقتصر هنا على إيراد ما لابد منه من هذه الشروط للنسخ كمسلك من مسالك دفع إيهام التعارض بين القرآن والسنة مضربين صفحاً عما وراءها من تعاليق العلماء ونقدهم - من هذه الشروط:-
١- أن يكون الناسخ والمنسوخ حكماً شرعياً - لأن رفع الأمور العقلية ليس مستنده النسخ وإنما هو مرفوع بالبراءة الأصلية(٣).
٢- أن يكون الحكم في الناسخ والمنسوخ متناقضا فلا يمكن العمل بهما جميعاً فإن كان ممكنا لم يكن أحدهما ناسخاً للآخر(٤).

(١) أي طرق معرفة النسخ وهى ثلاث: أولها أن يكون في أحد النصين ما يدل على تعيين المتأخر منهما ثانيها: أن ينعقد إجماع من الأمة في أي عصر من عصورها على تعيين المتقدم من النصين والمتأخر منهما ثالثها: أن يرد من طرق صحيحة عن أحد من الصحابة رضوان الله عليهم ما يفيد تعيين المتقدم منهما من المتأخر٠٠٠٠ انظر مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني (٢/١٥٠-١٥١).
(٢) انظر: مناهل العرفان للزرقاني (٢/١٥١ - ١٥٢، ١٨٢)، والبرهان في علوم القرآن للزركشي(٢/٣٣).
(٣) انظر: الإحكام للآمدي (٣ /١١٤)، والمحصول للرازي (٣ / ٢٨٦).
(٤) انظر: المصفي من علم الناسخ والمنسوخ لابن الجوزي (١/١٢)، ونواسخ القرآن له أيضاً (ص ٢٣ - ٢٥).


الصفحة التالية
Icon