وتارة أخرى يتعهد له ربه سبحانه وتعالى بجمع القرآن له وتوضيحه لاستيعابه: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [القيامة: ١٧-١٩].
وتارة يأمره ربه بتبليغ الآيات الكريمة للناس ومجاهدتهم بالقرآن: ﴿فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٢].
لذا كان رسول الله ﷺ أعلم عباد الله بكتاب الله، إذ إن تبليغ الرسالة على الوجه الأكمل مترتب على فهمه لمحتوى الرسالة جملة وتفصيلًا، وهذا أمر تفرضه بدهيات الأمور ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: ٤٤].
ويأتي بعد فهم الرسول ﷺ للقرآن الكريم فهم الصحابة رضوان الله عليهم وإن كان فهمهم له جملة "لظاهره على الإجمال ولأحكامه على التفصيل".
وليس من الضروري إحاطتهم التامة بمعاني القرآن الكريم بحيث لا تغيب عنهم شاردة ولا واردة، نقول ذلك لما نقل إلينا عن الصحابة رضي الله عنهم، فعلى الرغم من رجوعهم إلى النبي ﷺ المرة تلو الأخرى لبيان ما أشكل عليهم فهمه، أو لإزالة غموض اعتور فهمهم للآيات البينات، تنقل إلينا كتب التفسير والروايات الصحيحة من السنة النبوية أن بعض الصحابة كان يستفسر عن بعض الآيات والمعاني إلى مرحلة متأخرة من حياتهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمثلًا تنقل لنا الروايات أن عمر بن الخطاب سأل على المنبر في إحدى خطبه عن "الأب" في قوله تعالى: ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا﴾ [عبس: ٣١]، ثم عاد إلى القول: وما يضرك لو لم تعلم معناها١، فإن في بحث هذه الأمور التي لا ينبني عليها حكم عملي تكلفًا لا فائدة منه، لذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يكتفون فيما يتعلق بالجوانب النظرية من فروع العقائد، أو ما يتعلق بسير الأمم، أو تخليق السماوات والأرض... فكانوا يكتفون بموطن العظة والعبرة ومجمل الاعتقاد فيها. بل جاء النهي القرآني الصريح عن الخوض في مثل هذه الأمور التي لا تدخل في إطار الأحكام العملية، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا