حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ، قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ} [المائدة: ١٠١، ١٠٢].
كما ورد عن رسول الله ﷺ النهي عن الاستفسارات التي لا يكون لها واقع عملي في حياة المسلمين. يقول عليه الصلاة والسلام: "إن أعظم المسلمين جرمًا من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته" ١. وفي الحديث الصحيح أن رسول الله ﷺ قال: "ذروني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم" ٢.
وفي الحديث الآخر الصحيح: "إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودًا فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها" ٣.
والحكمة الإلهية في ذلك -والله أعلم- أن انصراف الأمة إلى الأمور النظرية والفرعيات التي لا ترتبط بالأحكام العملية يؤدي إلى الفرقة والنزاع وإلى الجدل العقيم والترف الثقافي، والأمة الإسلامية أمة جهاد ودعوة وعمل فلا يليق بها مثل هذه المشاغل، وبخاصة في الصدر الأول في مرحلة تأسيس الدولة الإسلامية.
بالإضافة إلى ما تقدم فإن إمكانات الصحابة رضوان الله عليهم الثقافية واللغوية لم تكن على مستوى واحد في الإدراك والفهم والاستنباط.
روى البخاري في صحيحه عن الشعبي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: أخذ عدي عقالًا أبيض وعقالًا أسود حتى كان بعض الليل نظر فلم يستبينا، فلما أصبح قال: يا رسول الله جعلت تحت وسادتي فقال: "إن وسادك إذًا لعريض أن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك" ٤.
وكان منهم من لازم الرسول ﷺ ولم يفارقه في سفر ولا حضر، فاطلع على
٢ رواه مسلم في صحيحه في كتاب الفضائل: ٧/ ٩١.
٣ أخرجه ابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه. انظر: الدر المنثور للسيوطي: ٣/ ٢٠٨.
٤ صحيح البخاري، كتاب التفسير: ٥/ ١٥٦.