الناس من الظلمات إلى النور ﴿الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾.
الحقيقة الثانية:
الوحي المنزل على عبد الله ورسوله، الذي احتواه "الكتاب" له مزايا ثلاث:
الميزة الأولى: في كونه منزلًا من عند الله سبحانه وتعالى، والمنزل يأخذ شرفه ومجده من الذي أنزله، فإذا كان المنزل هو خالق السماوات والأرض ومبدعهما، الذي بيده الملك والأمر وإليه المصير، فلا شك أن هذا المنزل، فيه من أوصاف العزة والتمجيد والتقديس ما يليق بجانب منزله.
وهذه المزية إضافية خارجة عن ذات الكتاب المنزل.
أما المزيتان الأخريان فهما ذاتيتان:
فالمزية الذاتية الأولى: كونه مستقيمًا في حد ذاته، فالاستقامة في هداياته الاستقامة في منهجه في تثقيف الفكر والسلوك، الاستقامة في موازينه وضوابطه التي يضبط بها السلوك والمشاعر والأفكار، فيبين الحق منها عن الزيف والتمويه والخداع وإلى كل ذلك الإشارة في قوله تعالى: ﴿وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا﴾ ١.
والمزية الذاتية الثانية: كامنة في قوله تعالى: ﴿قَيِّمًا﴾، فهذا الكتاب المنزل له القوامة على ما سواه من الكتب السابقة، فيصدق ما فيها من الحق والصواب، وبين التحريف والتنوير الذي أدخل فيها أتباعها كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤٨].
كما أن لهذا الكتاب القوامة على الحياة الإسلامية والمجتمع الإسلامي. ومن استقامة هذا الكتاب وقوامته استمدت هذه الأمة القوامة على غيرها، لأن القرآن الكريم أنشأها على الاستقامة في ذاتها فاستحقت القوامة على غيرها.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ

١ من أسرار التعبير المعجز ورود كلمة "له" بدل فيه، لأن "له" تفيد عدم قابليته العوج أصلًا، أما نفي أن يكون العوج فيه، فلا ينفي القابلية.


الصفحة التالية
Icon