عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: ٨]، ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣].
﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: ١١٠].
يقول الفخر الرازي: إن قوله تعالى: ﴿وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا، قَيِّمًا﴾ في وصف القرآن مثل قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ﴾، فليس فيه عوج ولا شك، ولا ريب فيه، وهو مقوم لغيره، مهيمن عليه، يقيمه على الجادة الصحيحة بهداياته١.
الحقيقة الثالثة:
الرسول الذي أنزل عليه الكتاب:
فهو عبد من عباد الله المصطفين الأخيار المختصمين الذين أراد الله لهم الكرامة باختيارهم لحمل الرسالة، فهو عبد بشر كغيره٢.
إلا أن الله اصطفاه بالوحي وجعله يتميز بنوع من الخاصية على غيره فهو على صلة بالملأ الأعلى، ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ﴾.
٢ جاءت الإشارة إلى تكريم رسول الله ﷺ وتشريفه في الآية بأسلوبين: أولهما: تقديم الجار والمجرور على المفعول به، وفي ذلك تنبيه على أن أمر محمد ﷺ واضح لقريش، فلا يستدعي سؤال اليهود عن بينات صدقه.
ثانيهما: إضافته إلى ذاته، وتكرر في القرآن الكريم تسمية رسول الله ﷺ وغيره من رسل الله بلقب العبودية، وإضافتها إلى ضمير لفظ الجلالة، جاء ذلك في سورة الإسراء في قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ [الإسراء: ١]. وفي سورة النجم: ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ [النجم: ١٠]. وكلا المقامين مقام تكريم وتشريف، وفي قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ﴾ [البقرة: ٢٣]. وهو مقام تأييد ونصرة وذلك لأن مقام العبودية الحقة لله تعالى أعلى منزلة يصل إليها الإنسان لأنه بها يحقق الغاية التي خلق من أجلها ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦].