الباب ولاحت له من ورائه بوارق أنوار تلك الأسرار. رقص الفكر منه طربًا وشكر الله استغرابًا وعجبًا وشاط لعظمة ذلك جنانه فرسخ من غير مرية إيمانه... " إلخ١.
ويقول الرازي: "علم المناسبات علم عظيم أودعت فيه أكثر لطائف القرآن وروائعه، وهو أمر معقول إذا عرض على العقول تلقته بالقبول"٢.
وعدم مراعاة علم المناسبات بين الآيات يوقع في بعد عن المعنى حتى في الآية الواحدة. وهذا ما حدث لكثير من المفسرين في تفسير آية الأهلة: جاء في سبب نزول صدر الآية عن ابن عباس: سأل الناس رسول الله ﷺ عن الأهلة فنزلت هذه الآية: ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٨٩]. وقال أبو العالية: بلغنا أنهم قالوا: يا رسول الله لِمَ خلقت الأهلة؟ فأنزل الله: ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ﴾ ٣.
وفي تفسير الطبري: ذكر أن رسول الله ﷺ سئل عن زيادة الأهلة ونقصانها واختلاف أحوالها فأنزل الله تعالى ذكره هذه الآية جوابًا لهم فيما سألوا عنه.
وبعد أن ساق الروايات في ذلك قال الطبري: فتأويل الآية إذا كان الأمر على ما ذكرنا عمن ذكرنا عنه قوله في ذلك: يسألونك يا محمد عن الأهلة ومحاقها وسرارها وتمامها واستوائها وتغير أحوالها بزيادة ونقصان ومحاق واستسرار، وما المعنى الذي خالف بينه وبين الشمس التي هي دائمة أبدًا على حال واحدة لا تتغير بزيادة ولا نقصان، فقل يا محمد خالف بين ذلك ربكم لتصييره الأهلة التي سألتم عن أمرها ومخالفة ما بينها وبين غيرها فيما خالف بينها وبينه مواقيت لكم ولغيركم من بني آدم في معاشهم ترقبون بزيادتها ونقصانها ومحاقها وسرارها وإهلالكم إياها أوقات حل ديونكم وانقضاء مدة إجارة من استأجرتموه وتصرم عدة نسائكم ووقت صومكم وإفطاركم فجعلها مواقيت للناس.
٢ البرهان: ١/ ٣٥.
٣ تفسير ابن كثير: ١/ ٢٢٥.