ثم ذكر تأويل قوله تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا﴾ [البقرة: ١٨٩]، قيل: نزلت هذه الآية في قوم كانوا لا يدخلون إذا أحرموا بيوتهم من قبل أبوابها. وذكر الروايات في ذلك.
وعادة دخول البيوت من ظهورها في حال الإحرام أو عند العودة من سفر كانت عادة متبعة في الجاهلية، وعلى الرغم من ورود الشطر الثاني للآية لإبطال تلك العادة فإن وضعه في المكان المحدد له من قبل الحكيم الخبير لا بد من وجود رابط بين صدر الآية وشطرها الثاني، ولم يشر أحد من المفسرين الذين لا يلتفتون إلى المناسبة بين الآيات إلى ذلك.
ونجد الإمام الرازي -ولأنه يهتم بالمناسبة بين الآيات- أول من التفت إلى ذلك. يقول الرازي -بعد أن ذكر أقوال المتقدمين والروايات التي ذكرها جل المفسرين: "المسألة الثانية: ذكروا في تفسير الآية ثلاثة أوجه:
الأول: وهو قول أكثر المفسرين حمل الآية على هذه الأحوال التي رويناها في سبب النزول، إلا أنه على هذا التقدير صعب الكلام في نظم الآية، فإن القوم سألوا رسول الله ﷺ عن الحكمة في تغيير نور القمر فذكر الله تعالى الحكمة في ذلك وهي قوله: ﴿قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾، فأي تعلق بين بيان الحكمة في اختلاف نور القمر وبين هذه القصة؟
ثم ساق وجوهًا من أقوال المفسرين لتوجيه هذا القول والملاءمة بين أول الآية وآخرها.
ثم ذكر في ثنايا القول الثاني وجهًا في غاية الانسجام حيث قال: "فجعل إتيان البيوت من ظهورها كناية عن العدول عن الطريق الصحيح وإتيانها من أبوابها كناية عن التمسك بالطريق المستقيم"١.
أي إن سؤالهم عن حادثة فلكية دقيقة قبل تمكنهم من علم الفلك وتعاطي أسباب معرفته كمن يأتي البيت من ظهره وذلك مناقض للحكمة والبر.