ونقول إن هذا الترتيب الموحي به لم يكن جزافًا ولا اعتباطًا أو عبثًا وننزه كلام الباري سبحانه وتعالى عن كل ذلك.
كما نقول إن القول بوجود المناسبات أمر يحتمه الاعتقاد بتنزيه كلام الله سبحانه وتعالى عن الفوضى والتناقض:
﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ٨٢].
وعلى الباحث أن يبذل قصارى جهده للتعرف على وجه المناسبة بين الآيات، فإن ظهر له شيء من ذلك فذلك نعمة من الله تعالى وفضل عليه، وله أن يقول به ويظهره خدمة لكتاب الله تعالى، وإن خفي عليه وجه المناسبة فعليه أن يمسك ولا يتكلف، وينسب علم ما خفي عليه إلى منزل الكتاب الذي أمر بترتيبه على هذا الشكل، ولا يدرك أسرار كتاب الله كلها أحد من البشر ﴿قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان: ٦].
وسنضرب أمثلة ونماذج على وجه المناسبات بين الآيات في السورة الواحدة وبين السور المتعددة، لعلنا نُكَوِّن بعد ذلك فكرة عن الموضوع وبعدها نتخذ موقفًا من التأييد أو الرفض.
ثالثا- ظهوره وأهم المؤلفات فيه:
أو من أظهر علم المناسبات: يعتبر الإمام أبو بكر النيسابوري المتوفى سنة ٣٢٤هـ أول من أظهر علم المناسبات في بغداد، وكان يزري على علماء بغداد لجهلهم وجوه المناسبة بين الآيات، وكان لا يني يقول إذا قرئت عليه الآية أو السورة: لم جعلت هذهالآية إلى جنب هذه؟ وما الحكمة في جعل هذه إلى جنب هذه السورة؟
وكذلك أبو بكر ابن العربي المالكي المتوفى سنة ٥٤٣هـ وتقدمت الإشارة إلى كلامه ضمن كلام البقاعي. كما تجد ذكر المناسبات من خلال تفسيره "أحكام القرآن".


الصفحة التالية
Icon