منذ نزل القرآن الكريم وهو محاط بعناية الله ورعايته حتى أكمله الله لهذه الأمة ورضي لها وجعله لها منهاجاً وشرعة، قال سبحانه وتعالى: ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)) وشاءت عناية الله عز وجل ألا يكل حفظ هذا الكتاب إلى عباده حتى لا يضيع كما أضاع أهل التوراة كتابهم وحرفوه حينما وكل حفظه إليهم قال سبحانه وتعالى: ((بما استحفظوا من كتاب الله)) فحفظ الله لكتابه القرآن الكريم باق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قال سبحانه وتعالى: ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)) ومن وسائل حفظ الله لهذا الكتاب ما سخره في كل عصر ومصر من علماء بكتاب الله عاملين به، وقراء مجودين، وحفظة مسندين، وطلبة مجدين جعلوا القرآن مسلاتهم بالغدو والآصال، فهم وإياه دائماً في حل وترحال.
لقد كان السلف الصالح لهذه الأمة من أشد الناس حرصاً على الاهتمام بكتاب الله تلاوة وتعليماً بعد سماعهم الأحاديث الدالة على الترغيب في تعلمه واستظهاره من نحو قوله صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، فلا يقدمون على تعلمه شيئا من العلوم، فما أن يعقل الطفل حتى يبدأ في تعليمه حروف ( أبي جاد ) ثم قصار السور من المفصل، ويلقن ذلك تلقيناً خمس آيات أو عشر آيات حتى يتم حفظ كتاب الله أو ما تيسر منه بحسب همته وسعة حفظه وإدراكه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "توفي رسول الله ﷺ وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأت المحكم ". وعنه: "جمعت المحكم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له: ما المحكم؟ قال: المفصل "، قال ابن كثير: "فيه دلالة على جواز تعليم الصبيان القرآن لأن ابن عباس أخبر عن سنِّه حيث موت النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان جمع المفصل وهو من الحجرات، وعمره إذ ذاك عشر سنين ".