الأمر الثالث: الذي دلت عليه الآية ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا..﴾ هو بيان أن الفطرة قابلة للتغيير والحرف عن الأصل الذي خلقوا عليه بأسباب تكون من الناس.
وهذا المعنى مستفاد من قوله تعالى: ﴿لا تَبْديلَ لخَلْقِ اللهِ﴾ على القول بأن المراد بها هو: لا تبدلوا خلق الله فتغيروا الناس عن فطرتهم التي فطرهم الله عليها، والنهي يدل على الإمكان.
وقد ورد تأكيد هذا المعنى في نصوص أخر.
من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"١.
فدل على أن للتربية التي تكون غالبا بين الأبوين أثراً في تغيير حال الولد عن الفطرة التي فطر عليها.
ودل الحديث من جهة أخرى على هذا المعنى - وهو قابلية الفطرة للتغيير بفعل الناس - في المثل المضروب لبيان ذلك في قوله: "كما تُنْتج البهيمة بهيمة جمعاء٢، هل تحسون منها من جدعاء٣"، وفي بعض

١ رواه مسلم، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، (ح٢٦٥٨)، (٤/٢٠٤٨).
٢ "أي: مجتمعة الأعضاء، سليمة من نقص". شرح النووي على صحيح مسلم، (١٦/٢٠٩).
٣ "هي: مقطوعة الأذن أو غيرها من الأعضاء". نفس المرجع.


الصفحة التالية
Icon