فِي التَّنَاسُلِ; لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ ذُرِّيَّةُ آدَمَ ثُمَّ ذُرِّيَّةُ نُوحٍ ثُمَّ ذُرِّيَّةُ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ.
مطلب: فيمن نذر أن ينشيء ابنه الصغير في عبادة الله وأن يعلمه القرآن وعلوم الدين
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً﴾ رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: "مُخْلَصًا لِلْعِبَادَةِ"، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: "خَادِمًا لِلْبِيعَةِ". وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: "عَتِيقًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا لِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى". وَالتَّحْرِيرُ يَنْصَرِفُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْعِتْقُ، مِنْ الْحُرِّيَّةِ. وَالْآخَرُ: تَحْرِيرُ الْكِتَابِ، وَهُوَ إخْلَاصُهُ مِنْ الْفَسَادِ وَالِاضْطِرَابِ. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً﴾ إذَا أَرَادَتْ مُخْلَصًا لِلْعِبَادَةِ أَنَّهَا تُنْشِئُهُ عَلَى ذَلِكَ وَتَشْغَلُهُ بِهَا دُونَ غَيْرِهَا، وَإِذَا أَرَادَتْ بِهِ أَنَّهَا تَجْعَلُهُ خَادِمًا لِلْبِيعَةِ أَوْ عَتِيقًا لِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ مَعَانِيَ جَمِيعِ ذَلِكَ مُتَقَارِبَةٌ، كَانَ نَذْرًا مِنْ قِبَلِهَا نَذَرَتْهُ لِلَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهَا: نَذَرْته ثُمَّ قَالَتْ: ﴿فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ وَالنَّذْرُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ صَحِيحٌ فِي شَرِيعَتِنَا أَيْضًا بِأَنْ يَنْذِرَ الْإِنْسَانُ أَنْ يُنَشِّئَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، وَأَنْ لَا يَشْغَلَهُ بِغَيْرِهِمَا، وَأَنْ يُعَلِّمَهُ الْقُرْآنَ وَالْفِقْهَ وَعُلُومَ الدِّينِ. وَجَمِيعُ ذَلِكَ نُذُورٌ صَحِيحَةٌ; لِأَنَّ فِي ذَلِكَ قُرْبَةً إلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَقَوْلُهَا: ﴿نَذَرْتُ لَكَ﴾ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَقْتَضِي الْإِيجَابَ، وَأَنَّ مَنْ نَذَرَ لِلَّهِ تَعَالَى قُرْبَةً يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهَا. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ النُّذُورَ تَتَعَلَّقُ عَلَى الْأَخْطَارِ وَعَلَى أَوْقَاتٍ مُسْتَقْبَلَةٍ; لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَهَا: ﴿نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً﴾ أَرَادَتْ بِهِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَبُلُوغِ الْوَقْتِ الَّذِي يَجُوزُ فِي مِثْلِهِ أَنْ يَخْلُصَ لِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ النَّذْرِ بِالْمَجْهُولِ; لِأَنَّهَا نَذَرَتْهُ وَهِيَ لَا تَدْرِي ذَكَرٌ هُوَ أم أنثى.
مطلب: للأم ضرب من الولاية على الولد في تعليمه وتأديبه إلى آخره
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْأُمِّ ضَرْبًا مِنْ الْوِلَايَةِ عَلَى الْوَلَدِ فِي تَأْدِيبِهِ وَتَعْلِيمِهِ وَإِمْسَاكِهِ وَتَرْبِيَتِهِ، لَوْلَا أَنَّهَا تَمْلِكُ ذَلِكَ لَمَا نَذَرَتْهُ فِي وَلَدِهَا. وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ لِلْأُمِّ تَسْمِيَةَ وَلَدِهَا وَتَكُونُ تَسْمِيَةً صَحِيحَةً، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ الأب; لأنها قالت: ﴿وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ﴾ وَأَثْبَتَ اللَّهُ تَعَالَى لَوَلَدِهَا هَذَا الِاسْمَ.
وقَوْله تعالى: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ﴾ الْمُرَادُ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: رَضِيَهَا لِلْعِبَادَةِ فِي النَّذْرِ الَّذِي نَذَرَتْهُ بِالْإِخْلَاصِ لِلْعِبَادَةِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَلَمْ يَقْبَلْ قَبْلَهَا أُنْثَى فِي هَذَا المعنى.
قوله تعالى ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ إذَا قُرِئَ بِالتَّخْفِيفِ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَضَمَّنَ مُؤْنَتَهَا، كَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ"، وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيْهِ، يَعْنِي بِهِ مَنْ
مطلب: فيمن نذر أن ينشيء ابنه الصغير في عبادة الله وأن يعلمه القرآن وعلوم الدين
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً﴾ رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: "مُخْلَصًا لِلْعِبَادَةِ"، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: "خَادِمًا لِلْبِيعَةِ". وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: "عَتِيقًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا لِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى". وَالتَّحْرِيرُ يَنْصَرِفُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْعِتْقُ، مِنْ الْحُرِّيَّةِ. وَالْآخَرُ: تَحْرِيرُ الْكِتَابِ، وَهُوَ إخْلَاصُهُ مِنْ الْفَسَادِ وَالِاضْطِرَابِ. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً﴾ إذَا أَرَادَتْ مُخْلَصًا لِلْعِبَادَةِ أَنَّهَا تُنْشِئُهُ عَلَى ذَلِكَ وَتَشْغَلُهُ بِهَا دُونَ غَيْرِهَا، وَإِذَا أَرَادَتْ بِهِ أَنَّهَا تَجْعَلُهُ خَادِمًا لِلْبِيعَةِ أَوْ عَتِيقًا لِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ مَعَانِيَ جَمِيعِ ذَلِكَ مُتَقَارِبَةٌ، كَانَ نَذْرًا مِنْ قِبَلِهَا نَذَرَتْهُ لِلَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهَا: نَذَرْته ثُمَّ قَالَتْ: ﴿فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ وَالنَّذْرُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ صَحِيحٌ فِي شَرِيعَتِنَا أَيْضًا بِأَنْ يَنْذِرَ الْإِنْسَانُ أَنْ يُنَشِّئَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، وَأَنْ لَا يَشْغَلَهُ بِغَيْرِهِمَا، وَأَنْ يُعَلِّمَهُ الْقُرْآنَ وَالْفِقْهَ وَعُلُومَ الدِّينِ. وَجَمِيعُ ذَلِكَ نُذُورٌ صَحِيحَةٌ; لِأَنَّ فِي ذَلِكَ قُرْبَةً إلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَقَوْلُهَا: ﴿نَذَرْتُ لَكَ﴾ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَقْتَضِي الْإِيجَابَ، وَأَنَّ مَنْ نَذَرَ لِلَّهِ تَعَالَى قُرْبَةً يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهَا. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ النُّذُورَ تَتَعَلَّقُ عَلَى الْأَخْطَارِ وَعَلَى أَوْقَاتٍ مُسْتَقْبَلَةٍ; لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَهَا: ﴿نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً﴾ أَرَادَتْ بِهِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَبُلُوغِ الْوَقْتِ الَّذِي يَجُوزُ فِي مِثْلِهِ أَنْ يَخْلُصَ لِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ النَّذْرِ بِالْمَجْهُولِ; لِأَنَّهَا نَذَرَتْهُ وَهِيَ لَا تَدْرِي ذَكَرٌ هُوَ أم أنثى.
مطلب: للأم ضرب من الولاية على الولد في تعليمه وتأديبه إلى آخره
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْأُمِّ ضَرْبًا مِنْ الْوِلَايَةِ عَلَى الْوَلَدِ فِي تَأْدِيبِهِ وَتَعْلِيمِهِ وَإِمْسَاكِهِ وَتَرْبِيَتِهِ، لَوْلَا أَنَّهَا تَمْلِكُ ذَلِكَ لَمَا نَذَرَتْهُ فِي وَلَدِهَا. وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ لِلْأُمِّ تَسْمِيَةَ وَلَدِهَا وَتَكُونُ تَسْمِيَةً صَحِيحَةً، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ الأب; لأنها قالت: ﴿وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ﴾ وَأَثْبَتَ اللَّهُ تَعَالَى لَوَلَدِهَا هَذَا الِاسْمَ.
وقَوْله تعالى: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ﴾ الْمُرَادُ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: رَضِيَهَا لِلْعِبَادَةِ فِي النَّذْرِ الَّذِي نَذَرَتْهُ بِالْإِخْلَاصِ لِلْعِبَادَةِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَلَمْ يَقْبَلْ قَبْلَهَا أُنْثَى فِي هَذَا المعنى.
قوله تعالى ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ إذَا قُرِئَ بِالتَّخْفِيفِ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَضَمَّنَ مُؤْنَتَهَا، كَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ كهاتين"، وأشار بإصبعيه، يعني به من