إقْرَارُ مَنْ كَفَرَ بِالتَّأْوِيلِ عَلَى الْجِزْيَةِ; لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَدِّ لِإِعْطَائِهِ بَدِيًّا جُمْلَةَ التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ بِالرَّسُولِ، فَمَتَى نَقَضَ ذَلِكَ بِالتَّفْصِيلِ صَارَ مُرْتَدًّا.
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَجْعَلُهُمْ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، كَذَلِكَ كَانَ يَقُولُ أَبُو الْحَسَنِ، فَتَجُوزُ عِنْدَهُ مُنَاكَحَاتُهُمْ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُزَوِّجُوهُمْ وَتُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ; لِأَنَّهُمْ مُنْتَحِلُونَ بِحُكْمِ الْقُرْآنِ. وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُسْتَمْسِكِينَ بِهِ، كَمَا أَنَّ مَنْ انْتَحَلَ النَّصْرَانِيَّةَ أَوْ الْيَهُودِيَّةَ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَمْسِكًا بِسَائِرِ شَرَائِعِهِمْ; وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: ٥١] وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ:"لَوْ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ فِي بَعْضِ الْأَهْوَاءِ الَّتِي يَكْفُرُ أَهْلُهَا، كَانَ فِي وَصَايَاهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمِينَ، يَجُوزُ مِنْهَا مَا يَجُوزُ مِنْ وَصَايَا الْمُسْلِمِينَ وَيَبْطُلُ مِنْهَا مَا يَبْطُلُ مِنْ وَصَايَاهُمْ". وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مُوَافَقَةِ الْمَذْهَبِ الَّذِي يَذْهَبُ إلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ.
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَجْعَلُهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُقِرُّوا عَلَى نِفَاقِهِمْ مَعَ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِكُفْرِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ.
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَجْعَلُهُمْ كَأَهْلِ الذِّمَّةِ; وَمَنْ أَبَى ذَلِكَ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَوْ وَقَفْنَا عَلَى نِفَاقِهِمْ لَمْ نُقِرَّهُمْ عَلَيْهِ، وَلَمْ نَقْبَلْ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامَ أَوْ السَّيْفَ. وَأَهْلُ الذِّمَّةِ إنَّمَا أَقَرُّوا بِالْجِزْيَةِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْ الْكُفَّارِ الْمُتَأَوِّلِينَ الْمُنْتَحِلِينَ لِلْإِسْلَامِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَرُّوا بِغَيْرِ جِزْيَةٍ، فَحُكْمُهُمْ فِي ذَلِكَ مَتَى وَقَفْنَا عَلَى مَذْهَبِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ اعْتِقَادُ الْكُفْرِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ، وَلَا يَقْتَصِرُ فِي إجْرَائِهِ حُكْمَ الْكُفَّارِ عَلَى إطْلَاقِ لَفْظٍ عَسَى أَنْ يَكُونَ غَلَطُهُ فِيهِ دُونَ الِاعْتِقَادِ دُونَ أَنْ يُبَيِّنَ عَنْ ضَمِيرِهِ فَيُعْرِبَ لَنَا عَنْ اعْتِقَادِهِ بِمَا يُوجِبُ تَكْفِيرَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ الِاسْتِتَابَةِ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ; وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
بَابُ الِاسْتِعَانَةِ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ﴾ الْآيَةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ بِطَانَةُ الرَّجُلِ خَاصَّتُهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَ أَمْرَهُ وَيَثِقُ بِهِمْ فِي أَمْرِهِ; فَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَّخِذُوا أَهْلَ الْكُفْرِ بِطَانَةً مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنْ يَسْتَعِينُوا بِهِمْ فِي خَوَاصِّ أُمُورِهِمْ، وَأَخْبَرَ عَنْ ضَمَائِرِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ لِلْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: ﴿لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً﴾ يَعْنِي: لَا يُقَصِّرُونَ فِيمَا يَجِدُونَ السَّبِيلَ إلَيْهِ مِنْ إفْسَادِ أُمُورِكُمْ; لِأَنَّ الْخَبَالَ هُوَ الْفَسَادُ. ثم قال: ﴿وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ﴾ قَالَ السُّدِّيُّ: "وَدُّوا ضَلَالَكُمْ عَنْ دِينِكُمْ" وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: "وَدُّوا أَنْ تَعَنَّتُوا فِي دِينِكُمْ فَتَحْمِلُوا عَلَى الْمَشَقَّةِ فِيهِ"; لِأَنَّ أَصْلَ الْعَنَتِ الْمَشَقَّةُ، فَكَأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ
بَابُ الِاسْتِعَانَةِ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ﴾ الْآيَةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ بِطَانَةُ الرَّجُلِ خَاصَّتُهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَ أَمْرَهُ وَيَثِقُ بِهِمْ فِي أَمْرِهِ; فَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَّخِذُوا أَهْلَ الْكُفْرِ بِطَانَةً مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنْ يَسْتَعِينُوا بِهِمْ فِي خَوَاصِّ أُمُورِهِمْ، وَأَخْبَرَ عَنْ ضَمَائِرِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ لِلْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: ﴿لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً﴾ يَعْنِي: لَا يُقَصِّرُونَ فِيمَا يَجِدُونَ السَّبِيلَ إلَيْهِ مِنْ إفْسَادِ أُمُورِكُمْ; لِأَنَّ الْخَبَالَ هُوَ الْفَسَادُ. ثم قال: ﴿وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ﴾ قَالَ السُّدِّيُّ: "وَدُّوا ضَلَالَكُمْ عَنْ دِينِكُمْ" وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: "وَدُّوا أَنْ تَعَنَّتُوا فِي دِينِكُمْ فَتَحْمِلُوا عَلَى الْمَشَقَّةِ فِيهِ"; لِأَنَّ أَصْلَ الْعَنَتِ المشقة، فكأنه أخبر عن