تَقْهَرْ} [الضحى: ٩] وَكَقَوْلِهِ: ﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً﴾ [الإسراء: ٢٨] وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ الْمَعْرُوفُ هَهُنَا التَّأْدِيبَ وَالتَّنْبِيهَ عَلَى الرُّشْدِ وَالصَّلَاحِ وَالْهِدَايَةِ لِلْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ: إذَا أَعْطَيْتُمُوهُمْ الرِّزْقَ وَالْكِسْوَةَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ أَنْ تُجْمِلُوا لَهُمْ الْقَوْلَ وَلَا تُؤْذُوهُمْ بِالتَّذَمُّرِ عَلَيْهِمْ وَالِاسْتِخْفَافِ بِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً﴾ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إجْمَالَ اللَّفْظِ وَتَرْكَ التَّذَمُّرِ وَالِامْتِنَانِ; وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾ [البقرة: ٢٦٤]. وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَعَانِي كُلُّهَا مُرَادَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً﴾ والله أعلم.
بَابُ دَفْعِ الْمَالِ إلَى الْيَتِيمِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ قَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: "يَعْنِي اخْتَبِرُوهُمْ فِي عُقُولِهِمْ وَدِينِهِمْ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَرَنَا بِاخْتِبَارِهِمْ قَبْلَ الْبُلُوغِ; لِأَنَّهُ قَالَ: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾ فَأَخْبَرَ أَنَّ بُلُوغَ النِّكَاحِ بَعْدَ الِابْتِلَاءِ; لِأَنَّ" حَتَّى غَايَةٌ مَذْكُورَةٌ بَعْدَ الِابْتِلَاءِ، فَدَلَّتْ الْآيَةُ مِنْ وَجْهَيْنِ عَلَى أَنَّ هَذَا الِابْتِلَاءَ قَبْلَ الْبُلُوغِ. وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْإِذْنِ لِلصَّغِيرِ الَّذِي يَعْقِلُ فِي التِّجَارَةِ; لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاسْتِبْرَاءِ حَالِهِ فِي الْعِلْمِ بِالتَّصَرُّفِ وَحِفْظِ الْمَالِ وَمَتَى أُمِرَ بِذَلِكَ كَانَ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إذْنِ الصَّبِيِّ فِي التِّجَارَةِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: جَائِزٌ لِلْأَبِ أَنْ يَأْذَنَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فِي التِّجَارَةِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الشِّرَى وَالْبَيْعَ، وَكَذَلِكَ وَصِيُّ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ إذَا لَمْ يَكُنْ وَصِيُّ أَبٍ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ". وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: "لَا أَرَى إذْنَ الْأَبِ، وَالْوَصِيَّ لِلصَّبِيِّ فِي التِّجَارَةِ جَائِزًا، وَإِنْ لَحِقَهُ فِي ذَلِكَ دَيْنٌ لَمْ يَلْزَمْ الصَّبِيَّ مِنْهُ شَيْءٌ". وَقَالَ الرَّبِيعُ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِهِ فِي الْإِقْرَارِ: وَمَا أَقَرَّ بِهِ الصَّبِيُّ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ الْآدَمِيِّ أَوْ حَقٍّ فِي مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِقْرَارُهُ سَاقِطٌ عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَذِنَ لَهُ أَبُوهُ أَوْ وَلِيُّهُ مَنْ كَانَ أَوْ حَاكِمٌ، وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ، فَإِنْ فَعَلَ فَإِقْرَارُهُ سَاقِطٌ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ شِرَاؤُهُ وَبَيْعُهُ مَفْسُوخٌ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: ظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْإِذْنِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى﴾ وَالِابْتِلَاءُ هُوَ اخْتِبَارُهُمْ فِي عُقُولِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ وَحَزْمِهِمْ فِيمَا يَتَصَرَّفُونَ فِيهِ، فَهُوَ
بَابُ دَفْعِ الْمَالِ إلَى الْيَتِيمِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ قَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: "يَعْنِي اخْتَبِرُوهُمْ فِي عُقُولِهِمْ وَدِينِهِمْ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَرَنَا بِاخْتِبَارِهِمْ قَبْلَ الْبُلُوغِ; لِأَنَّهُ قَالَ: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾ فَأَخْبَرَ أَنَّ بُلُوغَ النِّكَاحِ بَعْدَ الِابْتِلَاءِ; لِأَنَّ" حَتَّى غَايَةٌ مَذْكُورَةٌ بَعْدَ الِابْتِلَاءِ، فَدَلَّتْ الْآيَةُ مِنْ وَجْهَيْنِ عَلَى أَنَّ هَذَا الِابْتِلَاءَ قَبْلَ الْبُلُوغِ. وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْإِذْنِ لِلصَّغِيرِ الَّذِي يَعْقِلُ فِي التِّجَارَةِ; لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاسْتِبْرَاءِ حَالِهِ فِي الْعِلْمِ بِالتَّصَرُّفِ وَحِفْظِ الْمَالِ وَمَتَى أُمِرَ بِذَلِكَ كَانَ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إذْنِ الصَّبِيِّ فِي التِّجَارَةِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: جَائِزٌ لِلْأَبِ أَنْ يَأْذَنَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فِي التِّجَارَةِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الشِّرَى وَالْبَيْعَ، وَكَذَلِكَ وَصِيُّ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ إذَا لَمْ يَكُنْ وَصِيُّ أَبٍ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ". وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: "لَا أَرَى إذْنَ الْأَبِ، وَالْوَصِيَّ لِلصَّبِيِّ فِي التِّجَارَةِ جَائِزًا، وَإِنْ لَحِقَهُ فِي ذَلِكَ دَيْنٌ لَمْ يَلْزَمْ الصَّبِيَّ مِنْهُ شَيْءٌ". وَقَالَ الرَّبِيعُ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِهِ فِي الْإِقْرَارِ: وَمَا أَقَرَّ بِهِ الصَّبِيُّ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ الْآدَمِيِّ أَوْ حَقٍّ فِي مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِقْرَارُهُ سَاقِطٌ عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَذِنَ لَهُ أَبُوهُ أَوْ وَلِيُّهُ مَنْ كَانَ أَوْ حَاكِمٌ، وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ، فَإِنْ فَعَلَ فَإِقْرَارُهُ سَاقِطٌ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ شِرَاؤُهُ وَبَيْعُهُ مَفْسُوخٌ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: ظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْإِذْنِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى﴾ وَالِابْتِلَاءُ هُوَ اخْتِبَارُهُمْ فِي عُقُولِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ وَحَزْمِهِمْ فيما يتصرفون فيه، فهو