فَأَرَادَ بِالْعُمْقِ هَذَا الذَّاهِبَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَالْعَمِيقُ الْبَعِيدُ لِذَهَابِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
يَقْطَعْنَ نُورَ النَّازِحِ١ الْعَمِيقِ
يَعْنِي الْبَعِيدَ. وَقَدْ رَوَتْ أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ أُمَيَّةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ: "مَنْ أَهَلَّ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". وَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ الْأَسْوَدِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَحْرَمَ مِنْ الْكُوفَةِ بِعُمْرَةٍ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ الشَّامِ فِي الشِّتَاءِ، وَأَحْرَمَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَحْرَمَ مِنْ الْبَصْرَةِ. وَرَوَى عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ: "أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ". وَقَالَ عَلِيٌّ وَعُمَرُ: "مَا أَرَى أَنْ يَعْتَمِرَ إلَّا مِنْ حَيْثُ ابْتَدَأَ" وَرُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: الرَّجُلُ يُحْرِمُ مِنْ سَمَرْقَنْدَ أَوْ مِنْ خُرَاسَانَ أَوْ الْبَصْرَةِ أَوْ الْكُوفَةِ؟ فَقَالَ: "يَا لَيْتَنَا نَسْلَمُ مِنْ وَقْتِنَا الَّذِي وُقِّتَ لَنَا"، فَكَأَنَّهُ كَرِهَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِمَا يَخَافُ مِنْ مُوَاقَعَةِ مَا يحظره الإحرام لا لبعد المسافة.

١ قوله: "نور النازح" هكذا في أكثر النسخ، وفي بعضها: "بعد النازح" فليحرر "لمصححه".

بَابُ التِّجَارَةِ فِي الْحَجِّ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ رَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: "التِّجَارَةَ وَمَا يُرْضِي اللَّهَ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ". وَرَوَى عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "أَسْوَاقٌ كَانَتْ، مَا ذَكَرَ الْمَنَافِعَ إلَّا لِلدُّنْيَا". وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: "الْمَغْفِرَةُ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: ظَاهِرُهُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أُرِيدَ بِهِ مَنَافِعُ الدِّينِ وَإِنْ كَانَتْ التِّجَارَةُ جَائِزَةً أَنْ تُرَادَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ دُعُوا وَأُمِرُوا بِالْحَجِّ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَنَافِعَ الدُّنْيَا خَاصَّةً; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الدُّعَاءُ إلَى الْحَجِّ وَاقِعًا لِمَنَافِعِ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا الْحَجُّ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَنَحْرُ الْهَدْيِ وَسَائِرُ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، وَيَدْخُلُ فِيهَا مَنَافِعُ الدُّنْيَا عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ وَالرُّخْصَةِ فِيهَا دُونَ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمَقْصُودَةَ بِالْحَجِّ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] فَجَعَلَ ذَلِكَ رُخْصَةً فِي التِّجَارَةِ فِي الْحَجِّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا رُوِيَ فِيهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
بَابُ التِّجَارَةِ فِي الْحَجِّ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ رَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: "التِّجَارَةَ وَمَا يُرْضِي اللَّهَ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ". وَرَوَى عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "أَسْوَاقٌ كَانَتْ، مَا ذَكَرَ الْمَنَافِعَ إلَّا لِلدُّنْيَا". وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: "الْمَغْفِرَةُ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: ظَاهِرُهُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أُرِيدَ بِهِ مَنَافِعُ الدِّينِ وَإِنْ كَانَتْ التِّجَارَةُ جَائِزَةً أَنْ تُرَادَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ دُعُوا وَأُمِرُوا بِالْحَجِّ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَنَافِعَ الدُّنْيَا خَاصَّةً; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الدُّعَاءُ إلَى الْحَجِّ وَاقِعًا لِمَنَافِعِ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا الْحَجُّ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَنَحْرُ الْهَدْيِ وَسَائِرُ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، وَيَدْخُلُ فِيهَا مَنَافِعُ الدُّنْيَا عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ وَالرُّخْصَةِ فِيهَا دُونَ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمَقْصُودَةَ بِالْحَجِّ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] فَجَعَلَ ذَلِكَ رُخْصَةً فِي التِّجَارَةِ فِي الْحَجِّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا رُوِيَ فِيهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.


الصفحة التالية
Icon