يَزْعُمُ أَنَّهُ إطْلَاقٌ مِنْ حَظْرٍ; إذْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مَحْظُورَةً قَبْلَ الْإِحْلَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: ٢] وَقَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [الجمعة: ١٠] وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ; لِأَنَّ أَمْرَهُ بِقَضَاءِ التَّفَثِ قَدْ انْتَظَمَ سَائِرَ الْمَنَاسِكِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ مِنْ السَّلَفِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِعْلَ سَائِرِ الْمَنَاسِكِ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ بَلْ عَلَى وَجْهِ الْإِيجَابِ، فَكَذَلِكَ الْحَلْقُ; لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ قَدْ أُرِيدَ بِالْأَمْرِ بِقَضَاءِ التَّفَثِ الْإِيجَابُ فِي غَيْرِ الْحَلْقِ، فَكَذَلِكَ الْحَلْقُ.
وقوله: ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَحْرُ مَا نَذَرُوا مِنْ الْبُدْنِ". وَقَالَ مُجَاهِدٌ: "كُلُّ مَا نُذِرَ فِي الْحَجِّ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنْ كَانَ التَّأْوِيلُ نَحْرَ الْبُدْنِ الْمَنْذُورَةِ فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى: ﴿عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا﴾ لَمْ يُرِدْ بِهِ مَا نُذِرَ نَحْرُهُ مِنْ الْبُدْنِ وَالْهَدَايَا; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادًا لَمَا ذَكَرَهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ الذَّبْحَ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَأَمْرِهِ إيَّانَا بِالْأَكْلِ مِنْهَا، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا﴾ فِي غَيْرِ الْمَنْذُورِ بِهِ وَهُوَ دَمُ التَّطَوُّعِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْهَدْيَ الْمَنْذُورَ أَنَّ دَمَ النَّذْرِ لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْأَكْلِ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ النَّذْرَ، وَاسْتَأْنَفَ ذِكْرَ النَّذْرِ وَأَفَادَ بِهِ مَعَانٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ، وَالثَّانِي: أَنَّ ذَبْحَ النَّذْرِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي غَيْرِهَا، وَالثَّالِثُ إيجَابُ الْوَفَاءِ بِنَفْسِ الْمَنْذُورِ دُونَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ سَائِرَ النُّذُورِ فِي الْحَجِّ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ طَوَافٍ وَنَحْوِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: "هُوَ كُلُّ نَذْرٍ إلَى أَجَلٍ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى لُزُومِ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ وَالْأَمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِيمَنْ نَذَرَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ بَدَنَةً أَوْ نَحْوَهَا أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ; لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا بِالْوَفَاءِ بِنَفْسِ الْمَنْذُورِ.
بَابُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ فروي عن الحسن أنه قال: " ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا﴾ طَوَافَ الزِّيَارَةِ" وَقَالَ مُجَاهِدٌ: "الطَّوَافُ الْوَاجِبُ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ; لِأَنَّهُ أَمْرٌ وَالْأَوَامِرُ عَلَى الْوُجُوبِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ مَعْطُوفًا عَلَى الْأَمْرِ بِقَضَاءِ التَّفَثِ، وَلَا طَوَافَ مَفْعُولٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ بَعْدَ الذَّبْحِ إلَّا طَوَافُ الزِّيَارَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ طَوَافَ الْقُدُومِ الَّذِي فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حِينَ قَدِمُوا مَكَّةَ وَحَلُّوا بِهِ مِنْ إحْرَامِ الْحَجِّ وَجَعَلُوهُ عُمْرَةً إلَّا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ ساق
بَابُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ فروي عن الحسن أنه قال: " ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا﴾ طَوَافَ الزِّيَارَةِ" وَقَالَ مُجَاهِدٌ: "الطَّوَافُ الْوَاجِبُ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ; لِأَنَّهُ أَمْرٌ وَالْأَوَامِرُ عَلَى الْوُجُوبِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ مَعْطُوفًا عَلَى الْأَمْرِ بِقَضَاءِ التَّفَثِ، وَلَا طَوَافَ مَفْعُولٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ بَعْدَ الذَّبْحِ إلَّا طَوَافُ الزِّيَارَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ طَوَافَ الْقُدُومِ الَّذِي فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حِينَ قَدِمُوا مَكَّةَ وَحَلُّوا بِهِ مِنْ إحْرَامِ الْحَجِّ وَجَعَلُوهُ عُمْرَةً إلَّا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ ساق


الصفحة التالية
Icon