عَلَى حَسَبِ مَا تَضْمَنَّهُ مِنْ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ أَوْ إبَاحَةٍ وَاعْتِقَادِ كُلٍّ مِنْهُ عَلَى مُقْتَضَاهُ. وَالْبَرَكَةُ ثُبُوتُ الْخَيْرِ وَنُمُوُّهُ، وَتَبَارَكَ اللَّهُ صِفَةُ ثَبَاتٍ لَا أَوَّلَ لَهُ وَلَا آخِرَ، هَذَا تَعْظِيمٌ لَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا﴾. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ: "أَرَادَ بِهِمَا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى"، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ هُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَأَنَّ الْمَجُوسَ لَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ; لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ لَكَانُوا ثَلَاثَ طَوَائِفَ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ طَائِفَتَانِ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا حَكَى اللَّهُ ذَلِكَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ، قِيلَ لَهُ: هَذَا احْتِجَاجٌ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ أَنْزَلَ الْكِتَابَ عَلَيْكُمْ لِئَلَّا تَقُولُوا ﴿إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا﴾ فَقَطَعَ اللَّهُ عُذْرَهُمْ بِإِنْزَالِ الْقُرْآنِ وَأَبْطَلَ أَنْ يَحْتَجُّوا بِأَنَّ الْكِتَابَ إنَّمَا أُنْزِلَ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَلَمْ يَنْزِلْ عَلَيْنَا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ﴾ قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ﴾ : أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ بِالْعَذَابِ، ذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ. وَحُذِفَ كَمَا حُذِفَ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ﴾ [الأحزاب: ٥٧] وَمَعْنَاهُ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ وَقِيلَ: أَوْ يَأْتِي رَبُّكَ بِجَلَائِلِ آيَاتِهِ وَقِيلَ: تَأْتِيَهُمْ الْمَلَائِكَةُ لِقَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ، أَوْ يَأْتِيَ رَبُّك: أَمْرُ رَبِّك يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّك طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا; وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً﴾. قَالَ مُجَاهِدٌ هُمْ الْيَهُودُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُمَالِئُونَ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ قَتَادَةُ: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لِأَنَّ بَعْضَ النَّصَارَى يُكَفِّرُ بَعْضًا وَكَذَلِكَ الْيَهُودُ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: "أَهْلُ الضَّلَالِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَهُوَ تَحْذِيرٌ مِنْ تَفَرُّقِ الْكَلِمَةِ وَدُعَاءٌ إلَى الِاجْتِمَاعِ وَالْأُلْفَةِ عَلَى الدِّينِ وَقَالَ الْحَسَنُ هُمْ جَمِيعُ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ". وَأَمَّا دِينُهُمْ فَقَدْ قِيلَ: الَّذِي أَمَرَهُمْ اللَّهُ بِهِ وَجَعَلَهُ دِينًا لَهُمْ، وَقِيلَ: الدِّينُ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ لِإِكْفَارِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ لِجَهَالَةٍ فِيهِ. وَالشِّيَعُ الْفِرَقُ الَّذِينَ يُمَالِئُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي غَيْرِهِ. وَقِيلَ: أَصْلُهُ الظُّهُورُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: شَاعَ الْخَبَرُ، إذَا ظَهَرَ، وَقِيلَ: أَصْلُهُ الِاتِّبَاعُ، مِنْ قَوْلِك: شَايَعَهُ عَلَى الْمُرَادِ، إذَا اتَّبَعَهُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾. الْمُبَاعَدَةُ التَّامَّةُ مِنْ أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَهُمْ فِي مَعْنًى مِنْ مَذَاهِبِهِمْ الْفَاسِدَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ لِأَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ فِي مَعْنًى مِنْ الباطل