وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ الْحَيَاءُ الَّذِي يُكْسِبُهُمْ التَّقْوَى. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: "هُوَ لِبَاسُ الصُّوفِ وَالْخَشِنِ مِنْ الثِّيَابِ الَّتِي تُلْبَسُ لِلتَّوَاضُعِ وَالنُّسُكِ فِي الْعِبَادَةِ"
وَقَدْ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى مَعْنَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ مِنْ لُزُومِ فَرْضِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَوَرَدَتْ بِهِ الْآثَارُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا حَدِيثُ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قُلْت: "يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجَتِك أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُك. قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيَا؟ قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ" وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: "لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلَا الْمَرْأَةُ إلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ" وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَلْعُونٌ مَنْ نَظَرَ إلَى سَوْأَةِ أَخِيهِ" قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ [النور: ٣٠] ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] يَعْنِي عَنْ الْعَوْرَاتِ; إذْ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ النَّظَرِ إلَى غَيْرِ الْعَوْرَةِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ﴾ قِيلَ فِي الْفِتْنَةِ إنَّهَا الْمِحْنَةُ بِالدُّعَاءِ إلَى الْمَعْصِيَةِ مِنْ جِهَةِ الشَّهْوَةِ أَوْ الشُّبْهَةِ، وَالْخِطَابُ تَوَجَّهَ إلَى الْإِنْسَانِ بِالنَّهْيِ عَنْ فِتْنَةِ الشَّيْطَانِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ التَّحْذِيرُ مِنْ فِتْنَةِ الشَّيْطَانِ وَإِلْزَامِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ. وقَوْله تَعَالَى: ﴿كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ﴾ فَأَضَافَ إخْرَاجَهُمَا مِنْ الْجَنَّةِ إلَى الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ أَغْوَاهُمَا حَتَّى فَعَلَا مَا اسْتَحَقَّا بِهِ الْإِخْرَاجَ مِنْهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ فِرْعَوْنَ: ﴿يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [القصص: ٤] وَإِنَّمَا أَمَرَ بِهِ وَلَمْ يَتَوَلَّهُ بِنَفْسِهِ. وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَضَافَ نَزْعَ لِبَاسِهِمَا إليه بقوله: ﴿يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا﴾ وَهَذَا يُحْتَجُّ بِهِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَخِيطُ قَمِيصَهُ أَوْ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَتَوَلَّى الضَّرْبَ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ إنْ أَمَرَ بِهِ غَيْرَهُ فَفَعَلَهُ حَنِثَ، وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَبْنِي دَارِهِ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَبَنَاهَا. وَقِيلَ فِي اللِّبَاسِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمَا إنَّهُ كَانَ ثِيَابًا مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ; وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ لِبَاسِهِمَا الظُّفُرَ، وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: كَانَ لِبَاسُهُمَا نُورًا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالسُّدِّيِّ: تَوَجَّهُوا إلَى قِبْلَةِ كُلِّ مَسْجِدٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى اسْتِقَامَةٍ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: تَوَجَّهُوا بِالْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى لا لوثن ولا غيره.
مطلب: في وجوب فعل المكتوبات في جماعة
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ حَوَى ذَلِكَ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: التَّوَجُّهُ إلَى الْقِبْلَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا عَلَى اسْتِقَامَةٍ غَيْرَ عَادِلٍ عَنْهَا، وَالثَّانِي: فِعْلُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ فِعْلِ
مطلب: في وجوب فعل المكتوبات في جماعة
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ حَوَى ذَلِكَ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: التَّوَجُّهُ إلَى الْقِبْلَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا عَلَى اسْتِقَامَةٍ غَيْرَ عَادِلٍ عَنْهَا، وَالثَّانِي: فِعْلُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ فِعْلِ


الصفحة التالية
Icon