(٥١١) المصاحف للسجستاني ص ٤٥ والأرجح أن ذلك تم بعد وفاة النبي - ﷺ -.
المبحث الثالث: الرسم العثماني
وفي عهد عثمان بن عفان خاف الصحابة على الناس من الاختلاف في القرآن بسبب عدم توفر نسخ قرآنية بين أيدي الناس يقرؤون بها. وقد توزع الحفاظ في الأمصار وعظمت الفتوح، ودخل الناس في دين الله أفواجا.
ولم يكن الحفاظ والقراء ـ مهما بلغوا من الكثرة ـ ليستطيعوا أن يقرؤوا الناس جميعاً في سائر الأمصار كما كان الأمر في عهد الرسول - ﷺ - والشيخين.
عندئذ رأى الصحابة أنه من الضروري أن يوفروا نسخاً من القرآن في البلاد المختلفة ليقرأ الناس استناداً إليها. وأمر الخليفة عثمان بن عفان بتشكيل لجنة رباعية من خيار حفاظ الصحابة وكتابهم، وهم: زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
وهكذا فقد تم نسخ خمسة مصاحف موثقة، وزعت في المدن الرئيسة الخمس وهي: مكة والمدينة ودمشق، والبصرة والكوفة، وربما كانت المصاحف سبعة (٥١٢) وزعت في الأمصار الخمسة واليمن والبحرين كما ذكرت ذلك بعض الروايات. وبذلك اكتملت الوثيقة الثانية للقرآن الكريم مكتوبة متوفرة في الأمصار.
خط المصاحف: كتبت تلك المصاحف جميعاً بالخط الكوفي القديم، وظلت الكتابة بالخط الكوفي مفضلة لدى الناس حتى تحولوا عنها إلى خط النسخ في القرن الرابع الهجري لكونه أكثر وضوحاً وأبعد عن الالتباس.
ولا يزال الخط النسخي إلى اليوم هو المستعمل في كافة المصاحف ويشاهد القارئ في ملاحق الكتاب (٥١٣) صورة عن مصاحف القرن الأول الهجري المكتوبة بالخط الكوفي القديم.
مصاحف الصحابة الخاصة: وقد يشكل هنا ما اشتهر من أن بعض مصاحف الصحابة الخاصة فيها زيادات ليست في المصاحف التي بين أيدينا، ويزول ذلك الإشكال حين تعلم أن هذه المصاحف إنما كتبها أولئك الأصحاب لأنفسهم، وكانوا يزيدون فيها ما هو من باب التفسير والإيضاح، كما زاد مثلا عبد الله بن مسعود في مصحفه: (وهو أبوهم) بعد قوله تعالى: ﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم﴾ فزيادته تلك هي زيادة إيضاح وتفسير، ولم بجد في ذلك حرجاً لأنه إنما كتب المصحف لنفسه، وهو يعلم أن هذه الإشارات والملاحظات ليس من نص القرآن.
ثم لما جمع عثمان الناس على المصحف الإمام أدرك الأصحاب ضرورة إتلاف مصاحفهم لما فيها من زيادات تفسيرية قد تصبح في أيدي من لا يميزون فيزيدون في كتاب الله ما ليس فيه.
وهكذا فقد استغنى الأصحاب بالمصحف الإمام بعد أن اجتمعت كلمتهم على تجريد كتاب الله مما ليس فيه.
ويشير علماء القرآن إلى أن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود امتنع أولا من تسليم مصحفه لما كان قد دون فيه من ملاحظات هامة، إلا أنه عاد فيما بعد فالتزم رأي جماعة المسلمين.
قال الحاكم في المستدرك: جمع القرآن ثلاث مرات:
(إحداها) بحضرة النبي - ﷺ - ثم أخرج بسند على شرط الشيخين عن زيد بن ثابت قال: كنا عند رسول الله - ﷺ - نؤلف القرآن من الرقاع الحديث. وقال البيهقي: يشبه أن يكون المراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة في سورها وجميعها فيها بإشارة النبي - ﷺ -.
(الثانية) بحضرة أبي بكر. روى البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت قال: أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده فقال أبو بكر إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن فقلت لعمر: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله - ﷺ -، قال عمر: هو والله خير، فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد: قال أبو بكر: إنك شاب عاقل ولا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله - ﷺ -، فتتبع القرآن فأجمعه. فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي