ولكن لماذا اختار ابن مجاهد هؤلاء السبعة تحديداً؟
في الحقيقة لم يكن ابن مجاهد يبحث عن قراءات سبع، ولا عن سبعة قراء حينما اتجه ببحثه هذا، غاية الأمر أنه كان يبحث عن المتواتر وصادف أنه لم يجتمع لديه من أسانيد التواتر بالشروط المعتبرة إلا سبعة، فضبطها وحررها ودوَّن أصولها وفرشها، والظاهر أنه صنف أولاً سبعة كتب، كل كتاب في قراءة، كلما ثبت عنده تواتر قراءة أفردها بكتاب، حتى إذا اكتمل لديه الاختيار صنف كتابه الشهير السبعة في القراءات.
ومنهج ابن مجاهد في كتابه أنه بدأ بذكر أسماء القراء السبعة وأصول كل واحد منهم واختياراته في شأن الهمزات والإمالات والإدغامات والياءات وغير ذلك من الأصول، ثم بدأ بذكر فرش الحروف فكان يسمي اختيار كل منهم من غير توجيه للفرش، وعلى ذلك فقد دون مواضع اختلافهم في القرآن الكريم باستقصاء كامل. وقد صار منهج ابن مجاهد إماماً للناس من بعده فاقتفى أثره كل الذين كتبوا من بعده في هذا الفن.
وأشهر الكتب التي نهجت نهجه:
التيسير في القراءات السبع: أبو عمرو الدَاني (١٦٢).
نظم التيسير المسمى حرز الأماني: للقاسم بن فيّره بن القاسم الشاطبي (١٦٣).
سراج القاري: لابن القاصح العذري (١٦٤).
ـ شروح الشاطبية الأخرى كالسخاوي والفاسي وأبي شامة وابن جبارة، والجعبري.
------------
(١٥٧) السبعة في القراءات لابن مجاهد. تحقيق د. شوقي ضيف ص ٤٧، وهذه الشروط مستفيضة ولا يخلو من الإشارة إليها كتاب من كتب القراءات.
(١٥٨) نظم طيبة النشر لابن الجزري، بيت رقم ٥٦.
(١٥٩) معرفة القراء الكبار جـ١ ص ٢١٧
(١٦٠) غاية النهاية لابن الجزري جـ١ ص ١٤٢
(١٦١) مقدمة ابن مجاهد لكتابه السبعة في القراءات ص ٤٥ - ٤٦
(١٦٢) طبع في استانبول عام ١٩٢٠ بتحقيق أوتوبرتزل من جمعية المستشرقين الألمان،
(١٦٣) طبع طبعات كثيرة، أجودها طبعة حققها وأخرجها محمد تميم الزعبي وصدرت عن مكتبة دار الهدى بالمدينة المنورة.
(١٦٤) طبع في مكتبة مصطفى البابي الحبي وأولاده بمصر.
أهمية الكتاب: صنف ابن مجاهد كتابه هذا في وقت كان يعتبر فيه (شيخ القراء) في عاصمة الخلافة الإسلامية (بغداد) ولا شك أنه كان لموقعه المميز هذا أكبر تأثير في رواج الكتاب وتداوله. ومن هنا تعلم سر انتشار الكتاب وشهرته في الآفاق. أما مناط تأثير الكتاب فيتمثل في أنه كرَّس الرأي القائل:
بأن القراءات توقيفية لا يجوز فيها الاجتهاد وقطع الطريق على الذين يقولون بجواز الاجتهاد في القراءة وأنها تدور على اختيار الفصحاء وعلى رأسهم الزمخشري.
المبحث الخامس: دور الشاطبي في تقرير تواتر القراءات السبعة
وتجدر الإشارة هنا إلى إمام جليل سبق الإمام ابن الجزري، وهو الإمام الشاطبي (١٦٥)، الذي تصدر للإقراء في الأندلس والمغرب الإسلامي ومصر في القرن السادس الهجري.
وقد كان أهم الآثار التي تركها الشاطبي منظومته الكبيرة المسماة (حرز الأماني ووجه التهاني) وهي من المنظومات المتقدمة تاريخياً في هذا الفن، وقد لاقت قبولاً واسعاً، وهي تتألف من (١١٧٣) بيتاً من البحر الطويل الذي يلتزم قافيه لامية، اختار الشاطبي أن يرمز لكل قارئ من القراء السبعة بحرف من الأبجدية فيشرح بذلك اختيار كلِّ قارئ ومذهبه في الأصول والفرش.


الصفحة التالية
Icon