أن هذه التوسعة في نزول القرآن على سبعة أحرف مظهر من مظاهر التيسير والتخفيف على الأمة، فلا يجوز أن تصير مصدر اختلاف ونقمة، لقوله - ﷺ -: (فلا تماروا فيه فإن المراء فيه كفر) وكذلك تغير وجهه الشريف - ﷺ - عند اختلافهم مع قوله (إنما أهلك من قبلكم الاختلاف) وضربه في صدر أُبي بن كعب - رضي الله عنه - حين جال بخاطره حديث السوء في هذا الموضوع الجليل، وعدم موافقته لعمر وأُبي وابن مسعود وعمرو بن العاص - رضي الله عنهم - في إنكارهم الشديد لمن خالفهم في القراءة.
أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا متحمسين في الدفاع عن القرآن مستبسلين في المحافظة على التنزيل، متيقظين لكل من يحدث فيه حدثا، ولو كان عن طريق الأداء واختلاف اللهجات، مبالغين في هذه اليقظة حتى ليأخذون في هذا الباب بالظنة، وينافحون عن القرآن بكل عناية وهمة، وحسبك استدلالا على ذلك ما فعل عمر- رضي الله عنه - بصاحبه هشام بن حكيم - رضي الله عنه - على حين أن هشاما - رضي الله عنه - كان في واقع الأمر على صواب فيما يقرأ وأنه قال لعمر تسويغا لقراءته (أقرأنيها رسول الله) لكن عمر لم يقنع. بل لببه وساقه إلى المحاكمة ولم يتركه حتى قضى رسول الله لهشام بأنه أصاب، قل مثل ذلك فيما فعل أبي بن كعب بصاحبه وما كان من ابن مسعود وعمرو بن العاص وصاحبيهما.
أن المراد بالأحرف في الأحاديث السابقة وجوه في الألفاظ وحدها لا محالة، بدليل أن الخلاف الذي صورته لنا الروايات المذكورة كان دائراً حول قراءة الألفاظ لا تفسير المعاني مثل قول عمر إذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله - ﷺ - ثم حكم الرسول أن يقرأ كل منهما وقوله هكذا أنزلت وقوله (أي ذلك قرأتم فقد أصبتم) ونحو ذلك ولا ريب أن القراءة أداء الألفاظ لا شرح المعاني.
معنى قوله - ﷺ - (سبعة أحرف) من حيث اللغة:
المراد بالسبعة: