أو في جِبريلَ، أو مُحمّدٍ، أو جِسمٍ آخرَ غيرهما، كالكلابية والأشعرية (١).

(١) فإنهم يقولون: إن القرآن العربي ليس هو كلام الله، وإنماكلامه المعنى القائم بذاته والقرآن العربي خلق ليدل على ذلك المعنى كما نقله الشيخ وغيره، وقال عنهم: إما أن يكون خلق في بعض الأجسام الهوائية، أو غيره، أو ألهمه جبريل فعبر عنه بالقرآن العربي، وألهمه محمد - ﷺ - فعبر عنه بالقرآن العربي، أو يكون أخذه جبريل من اللوح المحفوظ أو غيره فهذه الأقوال التي تقال تفريع على هذا القول، يعني بخلق القرآن.
... وقوله: ﴿مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ﴾ وأمثاله يعلم منه أن القرآن العربي نزل من الله، لا من الهواء، ولا من اللوح المحفوظ، ولا من جسم آخر، ولا من جبريل، ولا محمد، ولا غيرهما، قال: وهذا لا ينافي ما جاء عن ابن عباس، وغيره من السلف، في تفسير قوله: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ أنه أنزل إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم أنزل بعد ذلك منجما مفرقا، بحسب الحوادث، ولا ينافي أنه مكتوب في اللوح المحفوظ، قبل نزوله كما قال تعالى: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ وقوله: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ﴾ وقوله: ﴿كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ﴾ وقال: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ﴾ وكونه مكتوبا في اللوح المحفوظ، وفي صحف مطهرة بأيدي الملائكة، لا ينافي أن يكون جبريل نزل به من الله، سواء كتبه قبل أن يرسل به جبريل أو غير ذلك.
... وإذا كان قد أنزله مكتوبا إلى بيت العزة، جملة واحدة في ليلة القدر، فقد كتبه كله قبل أن ينزله، والله تعالى يعلم ما كان وما يكون، أن لو كان كيف كان يكون، ثم ذكر مقادير
الخلائق وكتب أعمالهم قبل أن يعلموها ثم قال: ومن قال إن جبريل أخذ القرآن عن الكتاب، لم يسمعه من الله، كان هذا باطلا من وجوه، وذكر الآيات الدالة على أنه منزل من الله لا من غيره، وأن الرسول مأمور بتبليغ ما أنزل إليه من ربه، وذكر أن ابن كلاب وموافقيه، وصفوا الله بالكلام في الأزل، لكن لم يجعلوه قادرا على الكلام، ولا متكلما بمشيئته وأن الحقائق المتنوعة شيء واحد، وذلك معلوم الفساد بالضرورة.
... وذكر هو وابن القيم عن الكلابية، ومن اتبعهم كالقلانسي والأشعري، أن كلام الله معنى قائم بذات الله، هو الأمر بكل مأمور، أمر الله به، والخبر عن كل مخبر، أخبر الله عنه، إن عبر عنه بالعربية كان قرآنا، أو بالعبرية كان توراة، أو بالسريانية كان إنجيلا، والأمر والنهي والخبر، ليست أنواعا له، وإنما كلها صفات له إضافية.


الصفحة التالية
Icon