فَتَذَرَّعَ بِهِ الْمُعتَزِلَةُ والجَهْمِيَّةُ إِلَى الإِلحادِ في الصفات (١).

(١) وإبطال الحقائق، وتعطيل الألفاظ عن دلالتها على المعاني، من ذلك قولهم في قوله تعالى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾ هو من مجاز اللغة تقديره: وجاء أمر ربك وقولهم في اسمه ﴿الرَّحْمَنِ﴾ وصفة بالرحمة مجاز لأن الرحمة رقة تعتري القلب، وقولهم في استوائه على العرش، أنه بمعنى استولى، أو قصد أو مجمل في مجازاته وفي اليدين مجاز في النعمة، أو القدرة وفي الوجه، أي: يبقى ربك أو ثوابه وادعوه في العلو والنزول وغير ذلك من صفات الرب، جل وعلا وتقدس.
... وقالوا: يمتنع حمله على الحقيقة حتى زعم ابن جني، وغيره من أهل البدع، والاعتزال: أن أكثر اللغة مجاز، وكان هو وشيخه أبو علي الجبائي، من كبار أهل البدع، المنكرين لكلام الله، في زمن قوة شوكة المعتزلة، وكانت الدولة، دولة رفض واعتزال، في عهد عضد الدولة، وكان وزيره ابن عباد معتزليا وقاضيه عبد الجبار معتزليا وتقدم أن أول من ظهر منهم تقسيم الكلام، إلى حقيقة ومجاز: المعتزلة، والجهمية.
... وقد علم بالاضطرار أن الله متكلم حقيقة، فكيف يتصور دعوى المجاز في كلامه، إلا على أصول الجهمية الذين يقولون: كلام الله مخلوق، ولم يقم به كلام، وقد أطبق السلف عن تضليلهم وتكفيرهم ومن أقر أن الله تكلم بالقرآن فإنه
لا يتصور على أصله دخول المجاز في كلام الله بل كلامه تعالى حق على حقيقته، ولو احتمل أن يكون المراد به غير ظاهره، انتفى الوثوق به تعالى الله عما يقول الملحدون علوا كبيرا.
... قال ابن القيم: وإذا كان ظاهر كلام الله والأصل فيه الحقيقة، لم يجز أن يحمل على مجازه، وخلاف ظاهره ألبتة، وذكر أن القائلين بالمجاز: منهم من أسرف فيه وغلا، حتى ادعى أن أكثر ألفاظ القرآن، بل أكثر اللغة مجاز، واختار هذا جماعة ممن ينتسب إلى التحقيق، والتدقيق، ولا تحقيق، ولا تدقيق، وإنما هو خروج عن سواء الطريق ومفارقة للتوفيق.


الصفحة التالية
Icon