وحُسنُ تألِيفِهِ (١) وإِخبارُهُ عَنِ الْمُغَيَّباتِ (٢) والرَّوعَةُ في قلوب السامعين وغير ذلك (٣).

(١) أي: ومن وجوه إعجازه: حسن تأليفه ومخالفته لنظم ما عداه والبليغ إذا قرع سمعه فصل بينه وبين ما عداه من النظم ونبه تعالى: على أن تأليفه، ليس على هيئة ما يتعاطاه البشر، فقال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾.
(٢) أي: ومن وجوه إعجازه أيضا: ما فيه من الإخبار، عن المغيبات المستقبلة، ولم يكن ذلك من شأن العرب، وما تضمنه أيضا من قصص الأولين، وسائر المتقدمين، حكاية من شاهدها، وحضرها وما تضمنه أيضا: من الإخبار عن الضمائر كقوله: ﴿إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ﴾، ﴿وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ﴾ وغير ذلك.
(٣) أي: وذكر بعضهم من وجوه إعجازه: الروعة التي تلحق قلوب سامعيه، عند سماعه والتأثير في نفوسهم والهيبة التي
تعتريهم عند تلاوته بل لا تستمع كلاما غير القرآن إذا قرع سمعك خلص إلى قلبك من اللذة والحلاوة ما يخلص منه إليه قال تعالى: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللهِ﴾ وقال: ﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ﴾.
... ومنها: كون سامعه، لا يمله، وكونه لم يزل، ولا يزال غضا طريا، في أسماع السامعين، وعلى ألسنة القارئين.
ومنها: جمعه بين الجزالة، والعذوبة كونه آخر الكتب، غنيا عن غيره وذكروا غير ذلك، من وجوه إعجازه، لما اشتمل عليه، من التركيب المعجز، الذي تحدى به الجن والإنس، والمعاني الصحيحة، الكاملة التي هي من أعظم التحدي عند كثير من العلماء.
... وذكر الشيخ، وغيره أن الحروف المقطعة في أوائل السور، إنما ذكرت بيانا لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها، قال الزمخشري: ولم ترد كلها مجموعة في أول القرآن، وإنما كررت ليكون أبلغ في التحدي، والتبكيت، كما كررت قصص كثيرة، وكرر التحدي بالصريح في أماكن، قال ابن كثير: ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن وبيان إعجازه وعظمته.
... قال الشيخ: فالقرآن معجز بلفظه، ونظمه ومعناه وإعجازه
يعلم من طريقين: إجمالي وتفصيلي، أما الإجمالي فهو أنه: قد علم بالتواتر أنه - ﷺ - ادعى النبوة، وجاء بهذا القرآن وأن في القرآن آيات التحدي، والتعجيز وأخبر: أن جميع الإنس والجن، لو اجتمعوا لا يأتون بمثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.
... وعلم أنهم كانوا يعارضونه، ولم يأتوا بسورة من مثله، وذلك يدل على عجزهم عن معارضته لأن الإرادة الجازمة، لا يتخلف عنها الفعل مع القدرة وقد علم بالتواتر، أنهم أشد الناس حرصا ورغبة، على إقامة حجة يكذبونه بها قال: وأما الطرق فكثيرة جدا، متنوعة من وجوه، وليس كما يظنه بعض الناس، أن معجزته من جهة صرف الدواعي، عن معارضته أي: حتى إن من ظهور إعجازه مع شدة حرص البلغاء، على إخفاء أمره، أن قال الوليد، وكان أحد رؤساء قريش ويسمى ريحانة قريش، وكانوا سألوه عما يقول في القرآن، قبل أن يفكر ويقدر.
... كما ذكره الله عنه، وكان جاء إلى النبي - ﷺ - فقرأ عليه القرآن، فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه كما ذكره أهل التفسير وغيرهم فقال: يا عم، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا، ليعطوكه، لئلا تأتي محمدا لتعرض لما عنده، فقال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالا، قال: فقل فيه قولا يبلغ
قومك أنك كاره له قال: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني، ولا برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن
والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، ووالله إن لقوله الذي يقول لحلاوة والحلو ضد المر، الطيب، اللذيذ المعجب.


الصفحة التالية
Icon