قال صاحب المناهل : إن ركن الصحة فى ضابط القرآن المشهور، لا يراد بالصحة فيه مطلق صحة، بل المراد صحة ممتازة، تصل بالقراءة إلى حد الاستفاضة والشهرة، وتلقى الأمة لها بالقبول حتى يكون هذا الركن بقرينة الركنين الآخرين فى قوة التواتر الذى لابد منه فى تحقق القرآنية.(١)
والنوع الثانى: وهو ما لم تتلقه الأمة بالقبول ولم يستفض، وهذا فيه خلاف بين العلماء، من حيث قبوله، والقراءة به، أو عدم ذلك والأكثرون على قبوله. (٢)
أوجه الاختلاف بين القراءات الثابتة
سبق أن قررنا أن القراءات مرجعها النقل الثابت عن النبى -صلى الله عليه وسلم - ولذلك، لم يكن الاختلاف بينها على سبيل التضاد فى المعانى، بل القراءة إما مؤكدة لغيرها، أو موضحة، أو مضيفة إليها معنى جديداً، فتكون كل قراءة بالنسبة للأخرى، بمنزلة الآية مع الآية، وكما أن الاختلاف بين هذه القراءات لم يكن على سبيل التضاد فى المعانى، فإنه كذلك لم يكن على سبيل التباين فى الألفاظ، وقد حصر بعضهم أوجه الاختلاف بين القراءات فى الوجوه الآتية:
الأول: الاختلاف فى شكل آخر الكلمات، أو بنيتها، مما يجعلها جميعاً فى دائرة العربية الفصحى، بل أفصح هذه اللغة، المتسقة فى ألفاظها، وتآخى عباراتها، ورنة موسيقاها، والتواؤم بين ألفاظها ومعانيها.
الثاني: الاختلاف فى المد فى الحروف، من حيث الطول والقصر، وكون المد لازماً أو غير لازم، وكل ذلك مع التآخى فى النطق فى القراءة الواحدة، فكل قراءة متناسقة فى ألفاظها من حيث البنية للكلمة، ومن حيث طول المد أو قصره.
الثالث: الاختلاف من حيث الإمالة، أو عدمها فى الحروف، كالوقوف بالإمالة فى التاء المربوطة، أو عدم الإمالة فيها.
(٢) ينظر: مناهل العرفان، ١ / ٤٦٧، الرقاءات القرآنية – تاريخ وتعريف ص ٦٦...