وأما بالنسبة للشرط الثالث وهو موافقة اللغة العربية ولو بوجه فسوف يبين لنا فيما هو آت أنه متحقق أيضاً بوجوه عديدة وليس بوجه واحد، وسوف يبين لك أيضاً ضعف قاعدة البصريين التى اعتمدوا عليها فى رد القراءة.
٢- وقد قيل فى توجيه قراءة الخفض بعيداً عن كونها معطوفة على الضمير المجرور بدون إعادة الجار أقوال منها:
أ- ما قيل : إن الواو فى (والأرحامِ) هى واو القسم والمقسم هو الله تعالى، ومعلوم أن لله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه وذلك كما أقسم سبحانه بالضحى والليل والفجر والشمس وغيرها من المخلوقات.
ب- وقيل: هو قسم أيضاً لكن على تقدير مضاف محذوف أى ورب الأرحام.(١)
ج- وقيل: هو على تقدير إضمار الخافض، قال ابن خالويه: واستدلوا له بأن الحجاج كان إذا قيل له: كيف تجدك؟ يقول: خيرٍ عافاك الله. يريد بخير.
أو أنه على تقدير: واتقوه فى الأرحام أن تقطعوها، ثم قال ابن خالويه: وإذا كان البصريون لم يسمعوا الخفض فى مثل هذا ولا عرفوا إضمار الخافض، فقد عرفه غيرهم ومنه قول القائل:

رسمِ دارٍ وقفت فى طلله كدت أقضى الحياة من خلله
٣- وقيل فى توجيه الخفض كذلك: إن (الأرحامِ) معطوف على الضمير المجرور فى قوله (به)
وهذا التوجيه هو الذى عارضه البصريون وعارضوا القراءة وردوها لأجله ؛ لأنها تخالف ما هو مقرر عندهم من عدم جواز عطف الاسم الظاهر على الضمير المجرور بدون إعادة حرف الجر، وحجتهم فى ذلك أن الضمير فى الكلمة جزء منها، فكيف يعطف على جزء من الكلمة ؟ وشبهوه بالتنوين وقالوا: كما لا يعطف على التنوين فإنه لا يعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار.
مناقشة هذا الرأى:
هذا الذى ذهب إليه البصريون فى رد قراءة حمزة (والأرحامِ) ردوا به أيضاً تخريج عطف (المسجدِ) على الضمير المجرور فى قوله (به) وذلك فى قوله سبحانه: ((وكفر به والمسجدِ الحرام))(٢)
(١) أنظر: الدر المصون للسمين الحلبى - ٢/٢٩٧.
(٢) سورة البقرة : ٢١٧.


الصفحة التالية
Icon