يقصد الزمخشرى أنه كان بمقدور ابن عامر أن يعدل عن نصب الأولاد إلى جره بالإضافة إلى "قتل" وإبدال الشركاء منه فيكون المعنى: إن الشيطان زين لكثير من المشركين قتل أولادهم وهم شركاؤهم فى أموالهم.
أرأيت ذلك السخف الذى يرمى إليه كلام الزمخشرى، ولست أدرى هل نبا من علمه أن القراءات نقلية، لا اجتهادية ؟ وكيف يغيب ذلك عن مفسر كالزمخشرى له باعه الطويل فى إظهار بلاغة القرآن الكريم ؟
إن القراءات سمعية نقلية عن رسول الله - ﷺ - وليست اجتهادية، وقد اتفق العلماء واعتقد أهل الحق أن القراءات السبع - ومنها قراءة ابن عامر - متواترة عن رسول الله - ﷺ - إجمالاً وتفصيلاً. بل قال صاحب المناهل: إن الرأى المحقق هو أن القراءات العشر متواترة، وليس السبع فقط.(١) إذا ثبت ذلك فلا اعتبار لما قاله الزمخشرى أو غيره فى تضعيف قراءة ابن عامر وردها.
ولقد شدد ابن المنير - فى الانتصاف - النكير على الزمخشرى فقال: إن المنكر على ابن عامر إنما أنكر عليه ما ثبت أنه براء منه قطعاً وضرورة ؛ لأن هذه القراءة مما علم ضرورة أن النبى - ﷺ - قرأ بها، ولولا عذر أن المنكر ليس من أهل الشأنين، أعنى علم القراءة وعلم الأصول، ولا يعد من ذوى الفنين المذكورين، لخيف عليه الخروج من ربقة الدين، وإنه على هذا العذر لفى عهدة خطرة، وزلة منكرة.(٢)
وقال أبو حيان فى رده عليه: وأعجب لعجمى ضعيف فى النحو يرد على عربى صريح محض قراءة متواترة، وأعجب لسوء ظن هذا الرجل بالقراء الأئمة الذين تخيرتهم هذه الأمة لنقل كتاب الله شرقاً وغرباً.(٣)

(١) مضت الإشارة إليه مراراً.
(٢) الانتصاف لابن المنير - ٢/٥٣ بذيل الكشاف للزمخشرى.
(٣) تفسير البحر المحيط - ٤/٢٣٠.


الصفحة التالية
Icon