ومع ذلك فإذا نزلنا مع الزمخشرى ومن تابعه فى رد هذه القراءة، إذا نزلنا معهم إلى القياس النحوى، فإننا نرى أن القراءة ماضية مع القواعد النحوية، فلقد قال الكوفيون: يجوز الفصل بين المتضايفين فى النثر وفى الشعر إذا كان المضاف مصدراً، والمضاف إليه فاعله، والفاصل بينهما مفعوله كقراءة ابن عامر التى نحن بصددها، ومنه قول القائل:

عتوا إذ أجبناهم إلى السلم رأفة فسقناهم سوق البغاث الأجادل
فسوق، مصدر مضاف، والأجادل مضاف إليه، من إضافة المصدر إلى فاعله، والبغاث مفعوله، وفصل به بين المضاف والمضاف إليه، والأصل سوق الأجادل البغاث.(١)
ولست أهدف من ذلك تصحيح القراءة بقواعد العربية، بل هدفى الرد على بعض المخالفين، ودعوتهم إلى تصحيح ما استقروا عليه من أوجه الإعراب المخالفة لاستعمال القرآن الكريم، وتصحيحها لتمضى مع قواعد القرآن الكريم.
المثال الثالث
قال تعالى:(( وكذلك نُجِّى المؤمنين))(٢)
وهذه قراءة ابن عامر ببناء الفعل "نجى" للمجهول مع تضعيف الجيم وكسرها وتسكين الياء ثم نصب "المؤمنين"(٣)
وقد خطأ هذه القراءة أبو حاتم والزجاج وقالا: فيها لحن ظاهر حيث نصب اسم ما لم يسم فاعله، وإنما يقال: نُجِّى المؤمنون وكُرم الصالحون.(٤)
ودافع عن القراءة من النحاة الفراء وأبو عبيد وثعلب وقالوا: نائب الفاعل هو المصدر المحذوف والتقدير: وكذلك نجى النجاء المؤمنين، كما تقول ضُرب زيدا بمعنى ضُرب الضربُ زيداً. ومنه قول القائل:
ولو ولدت قفيرة جرو كلب لسب بذلك الجرو الكلابا
أى لسب السب بذلك الجرو الكلابا.
(١) أنظر: إعراب القرآن - ٣/٢٤٠
(٢) سورة الأنبياء : ٨٨
(٣) إتحاف فضلاء البشر - ص٣٩٤، وقد أخطأ ابن خالويه فى الحجة - ص١٥٢ فظنها قراءة عاصم.
(٤) تفسير القرطبى - ص ٤٣٧٥.


الصفحة التالية
Icon