ونظير التناقض عند الأصوليين ما أسموه بالتعارض الذى عرفوه بأنه: تقابل الدليلين على وجه يقتضى كل منهما عدم مقتضى الآخر كلياً أو جزئياً على سبيل التمانع.(١) بل عرفه بعض الأصوليين بأنه التناقض، وقالوا: إنه يشترط فيه ما يشترط فى التناقض.(٢)
والتناقض والتعارض بهذا المعنى المذكور لا يمكن أن يكون موجوداً فى القرآن الكريم ولا فى قراءاته الثابتة، ولا بين القرآن أو قراءاته الثابتة وبين السنة النبوية الشريفة لأنها أيضاً وحى، قال تعالى: ((وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى))(٣)
وكل ما ادعى عليه أن فيه اختلافاً وتعارضاً وتناقضاً من آيات القرآن الكريم مردود عليه من العلماء بما يروى الغليل ويقطع أمام المغرضين كل سبيل.
ومن العلماء الذين اعتنوا بهذا الجانب أيما اعتناء ابن قتيبة الدينورى -رحمه الله - فى كتابه "تأويل مشكل القرآن" بل كان الرائد فى ذلك حبر الأمة، وترجمان القرآن عبدالله بن عباس - رضى الله عنهما - الذى طالما دافع عن آيات القرآن وذب الشبهات عنها وكان يجيب عن كل ما يلقى عليه من آيات القرآن التى ادعى عليها التناقض، وفى الإتقان(٤) للسيوطى من ذلك كثير.
ومن هؤلاء أيضاً الإمام أحمد بن حنبل فى كتابه " الرد على الزنادقة"، وفى العصر الحديث كتب الشيخ الشنقيطى كتابه "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب" وإن أخذ عليه أنه أحياناً يفتعل هذه المشكلات وتلك التعارضات ليرد عليها. وقد أسهمت فى ذلك بجهد مقل فى كتابى :"إزالة الإلباس عن كلام رب الناس"(٥)

(١) التعارض والترجيح - د./ صالح عوض - ص٤٨.
(٢) نفس المرجع - ص٤٩.
(٣) سورة النجم: ٣، ٤.
(٤) الإتقان - ٢/٢٧.
(٥) طبع بمطبعة الأمانة عام ١٩٩٦.


الصفحة التالية
Icon