وإذا كان مثيرو الشبه والمتربصون بالقرآن وأهله قد تتبعوا ذلك فى القرآن، فإنهم لم يقفوا عند هذا الحد، بل تتبعوه فى السنة كذلك وادعوا أن بين بعض الأحاديث تعارضاً وتناقضاً فانبرى لهم ابن قتيبة رحمه الله فى كتابه النفيس "تأويل مختلف الحديث" تماماً كما فى فعل فى "تأويل مشكل القرآن".
ثم بعد ذلك أكملوا دائرتهم بأن ادعوا أن بين القرآن والسنة تعارضاً وتناقضاً وضربوا لذلك أمثلة أسوق بعضها ثم أردفها بالرد عليها.
١- قالوا: أخرج البخارى ومسلم بسنديهما عن عائشة - رضى الله عنها - " أن أزواج النبى - ﷺ - حين توفى رسول الله - ﷺ - أردن أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبى بكر، فيسألنه ميراثهن من النبى - ﷺ - قالت عائشة لهن : أليس قد قال رسول الله - ﷺ - "لا نورث ما تركناه صدقة" اللفظ لمسلم(١)
قالوا هذا الحديث يتناقض مع قوله تعالى حكاية لقول زكريا عليه السلام: ((فهب لى من لدنك وليا يرثنى ويرث من آل يعقوب))(٢)، قوله تعالى: ((وورث سليمان داود))(٣)
حيث نفى الحديث أن الأنبياء يورثون، بينما الآيات القرآنية المذكورة تثبت ذلك، فهذا تعارض فى نظر من لا نظر له.
ويجاب عن ذلك بأن الأنبياء عليهم صلوات الله لا يورثون درهماً ولا ديناراً ولا عقاراً، ولكنهم يورثون العلم والحكمة والأخلاق الكريمة، والعبادة الخالصة.
فدعاء زكريا - عليه السلام - ربه أن يهبه ولداً يرثه، يريد به أن يرث ما وهبه الله إياه من علم وحكمة ويرث النبوة، ويدل له قوله (ويرث من آل يعقوب) أى النبوة.
وقوله تعالى :( وورث سليمان داود ) أى ورث منه النبوة والملك.
قال ابن قتيبة:

(١) صحيح مسلم بشرح النووى - كتاب المغازى - ٦/٦٤، البخارى مع فتح البارى - كتاب الفرائض - ٢٥/١٢٧.
(٢) سورة مريم : ٥، ٦.
(٣) سورة النمل : ١٦.


الصفحة التالية
Icon