يرجع السبب فى ذلك من وجهة نظرى إلى أن هؤلاء - وأعنى الذين دأبوا على رد بعض القراءات الثابتة - يعتقدون أن مصدر القراءات الاجتهاد وليس النقل، نفهم هذا من سياق كلامهم حين يقولون: هذه القراءة أجود من تلك، أو فلان أفصح من فلان، أو كان ينبغى عليه أن يقرأها هكذا، ونحو ذلك من العبارات التى تنبئ عن معتقدهم فى القراءات وأنها اجتهادية ويفهم هذا بوضوح من اتجاه الزمخشرى فى الكشاف كما قد مضت الإشارة إلى ذلك فى المبحث السابق حيث ناقشت رده لقراءة ابن عامر: ((وكذلك زُيِّن لكثير من المشركين قتلُ أولادهم شركائهم))(١) بجعل "زين" ماضياً للمجهول ورفع "قتل" نائباً عن الفاعل ونصب "أولادهم" على المفعولية، وجر "شركائهم" بالإضافة إلى "قتل" وقد اعترض الزمخشرى على هذه القراءة بما قد عرفت. وقد ذكرت هناك ردود العلماء عليه، خاصة ابن المنير، وأبا حيان.
ومن المواضع التى كشف فيها الزمخشرى عن معتقده هذا فى القراءات ما جاء فى الكشاف عند تفسير قوله تعالى فى سورة الكهف: ((هنالك الولاية لله الحق))(٢) حيث مدح الكشاف قراءة عمرو بن عبيد بنصب (الحق) وقال: هى قراءة حسنة فصيحة وكان عمرو بن عبيد من أفصح الناس وأنصحهم ا. هـ
وقد تعقبه ابن المنير فى الانتصاف بما يكشف زيف اتجاهه هذا(٣)
ومن المفسرين الذين نحوا هذا النحو فيما لاحظته ابن عطية صاحب المحرر الوجيز حيث صرح بذلك فى مقدمة كتابه، وبان لى منهجه ذلك أثناء تعرضه للقراءات المعترض عليها حيث ينقل اعتراضات المعترضين ولا يعول على الرد عليها إشارة إلى أنه يرتضيها. وتحققت أكثر حين صرح برد بعض هذه القراءات. وأنقل لك جزءاً منها من مقدمة كتابه صرح فيه بأن قراءة الأئمة اجتهاد منهم، قال ما نصه:
(٢) سورة الكهف: ٤٤
(٣) أنظر: تفسير الكشاف ومعه الانتصاف - ٢/٤٨٦.