وتوسط بين هذين الفريقين فريق ثالث، نظروا إلى القراءات لا من حيث أعدادها ولا أشخاصها، ولكن من حيث هى قواعد ومبادئ وضوابط، ويعنون ضوابط القراءة المقبولة الثلاثة وهى:
١- صحة السند.
٢- موافقة اللغة ولو بوجه.
٣- موافقة أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً.
فحيث تحققت هذه الضوابط فى قراءة فهى صحيحة مقبولة، وإلا كانت مردودة أو شاذة بقطع النظر عمن نسبت إليه هذه القراءة.
المبحث الثالث
أسباب الخلاف بين المفسرين
وكون اختلاف القراءات واحداً منها
إن الذى يقرأ كتب التفسير، خاصة الكتب التى عنيت بنقل أقوال الصحابة والتابعين، وهى التى نسميها كتب التفسير بالمأثور كجامع البيان للطبرى وغيره، الذى يقرأ فى هذه الكتب يأخذه العجب حين يقف على هذا الكم الهائل من الأقوال حول تفسير الآيات القرآنية، ولابد من أن تحيك بصدره هذه الأسئلة :
لماذا كل هذه الآراء المتعددة ؟ لماذا لم يجمعوا على رأى واحد فى التفسير ؟ وهل هذه الأقوال متعارضة أم يمكن الجمع بينها ؟ وأهم سؤال فى ذلك هو : ما السبب فى هذا الاختلاف ؟
أقول : لعل هذا العجب أن يزول حين نطلع على أسباب الخلاف بين المفسرين.
ولقد ناقش ابن تيمية - رحمه الله - فى مقدمته فى أصول التفسير، مسألة الحلاف بين المفسرين، وكون اختلاف القراءات واحداً منها، مفرقاً فى ذلك بين تفسير السلف " المأثور " وبين تفسير غيرهم.
فأما بالنسبة لتفسير السلف، فقد بين ابن تيمية أن غالب ما ينقل عنهم فيه راجع إلى اختلاف التنوع، وليس اختلاف التضاد، وذلك كأن يعبر كل واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه، تدل على معنى فى المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد فى المسمى.
وذلك مثل اختلافهم حول تفسير (( الصراط المستقيم )) (١)، فبعضهم قال : هو اتباع القرآن، وبعضهم قال : هو الإسلام، فهذان القولان الاختلاف فيهما اختلاف تنوع ؛ لأن دين الإسلام هو اتباع القرآن.