ويندرج تحت خلاف التنوع أيضاً ذكر العام ببعض أفراده، أو أنواعه على سبيل التمثيل، ومثال ذلك خلافهم حول المراد بقوله تعالى :
(( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله))(١)
هذه الآية اختلف فى تفسيرها على أقوال كثيرة، فقد ذكر ابن تيمية رحمه الله بعضاً منها على سبيل التمثيل فقال : معلوم أن الظالم لنفسه يتناول المضيع للواجبات، والمنتهك للحرمات. والمقتصد يتناول فاعل الواجبات و تارك المحرمات. والسابق يدخل فيه من سبق، فتقرب بالحسنات مع الواجبات، فالمقتصدون هم أصحاب اليمين، والسابقون أولئك المقربون.
ثم إن كلاً منهم - أى المفسرين - يذكر هذا فى نوع من أنواع الطاعات، كقول القائل:
السابق الذى يصلى فى أول الوقت، والمقتصد الذى يصلى فى أثنائه، والظالم لنفسه الذى يؤخر العصر إلى الاصفرار.
أو يقول: السابق والمقتصد والظالم قد ذكروا فى أخر سورة البقرة، فقد ذُكر المحسن بالصدقة، والظالم بأكل الربا، والعادل بالبيع….. وأمثال هذه الأقاويل.
ثم قال: فكل قول فيه ذكر نوع داخل فى الآية، وإنما ذكر لتعريف المستمع بتناول الآية له وتنبهه به على نظيره، فإن التعريف بالمثال، قد يسهل أكثر من التعريف بالحد المطابق، وذلك مثل سائل أعجمى سأل عن مسمى لفظ " الخبز " فأرى رغيفاً وقيل له: هذا. فالإشارة إلى نوع هذا، لا إلى هذا الرغيف وحده ا. هـ (٢)
ثم تناول ابن تيمية وجوهاً أخرى للخلاف (٣)، داخلة فى اطار خلاف التنوع أحجمت عنها لعدم الإطناب، منعاً للسآمة والملل.
وأما التفسير بالرأى، فقد أرجع ابن تيمية الخلاف فيه لسببين:

(١) سورة فاطر : ٣٢
(٢) مقدمة فى أصول التفسير - ص ٥١: ٥٤
(٣) المرجع السابق - ص ٤٨: ٦٧


الصفحة التالية
Icon