ونظير هذه الآية كذلك قوله تعالى: ((لا يقاتلونكم جميعاً إلا فى قرى محصنة أو من وراء جدر))(١) ففائدة "من" هنا كفائدتها فى آية الحجرات، ويندرج تحت ذلك أيضاً اختلافهم حول "لا" قبل الفعل "أقسم" هل هى زائدة أم أصيلة. أو "الباء" فى خبر "ما" وفى خبر "ليس". وقد تناولت ذلك كله فى كتابى "إزالة الإلباس عن كلام رب الناس" (٢)
وأما السبب العاشر:
وهو احتمال حمل الكلام على الترتيب أو على التقديم والتأخير فمثاله: قوله تعالى :((وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ٠٠٠٠٠٠)) (٣)
قال بعض العلماء: هو مقدم فى التلاوة، مؤخر فى المعنى على قوله تعالى: ((وإذ قتلتم نفساً فادارءتم فيها)) (٤) لأن أمر موسى لقومه بأن يذبحوا بقرة كان فى الترتيب الزمنى بعد قصة القتل المذكورة فى الآية الثانية. ولذا جوز هؤلاء أن تكون قصة البقرة مؤخرة فى النزول عن قصة القتل.
قال الشوكانى: ويجوز أن يكون ترتيب نزولها على حسب تلاوتها، فكأن الله أمرهم بذبح البقرة حتى ذبحوها، ثم وقع ما وقع من أمر القتل فأمروه أن يضربوه ببعضها، ثم علق بقوله: هذا على فرض أن الواو تقتضى الترتيب، وقد تقرر فى علم العربية أنها لمجرد الجمع من دون ترتيب ولا معية. (٥)
ومنه أيضاً قوله تعالى: ((إنى متوفيك ورافعك إلى )) (٦) وهو قول الله تعالى لسيدنا عيسى عليه السلام، اختلف فيه على أقوال:
فقيل: هو من المقدم والمؤخر، أى رافعك إلى ومتوفيك وهذا على أساس أن المراد بالتوفى هنا الموت، إذ قرر القرآن ذلك فى آية أخرى ((وما قتلوه يقينا ٠ بل رفعه الله إليه)) (٧)
فنفى القرآن عنه القتل، وأثبت له الرفع، فدل على أنه رفع حياً.

(١) سورة الحشر: ١٤.
(٢) أنظر: مبحث هل فى القرآن زائد ؟ - ص١٥٠، ١٥٩.
(٣) سورة البقرة: ٦٧.
(٤) سورة البقرة: ٧٢.
(٥) فتح القدير - ١/١٢٦.
(٦) سورة آل عمران: ٨٥.
(٧) سورة النساء: ١٥٧، ١٥٨.


الصفحة التالية
Icon