الثانى: هى محكمة لأن حق الجهاد يكون فى المجاهدة وبذل الإمكان مع صحة المقصد. (١) فعلى هذا تكون الآية محكمة وغير منسوخة.
ومثل ذلك أيضاً قوله تعالى: ((اتقوا الله حق تقاته)) (٢) مع قوله تعالى: ((فاتقوا الله ما استطعتم)) (٣)
وأما السبب الثانى عشر:
وهو اختلاف الرواية فى التفسير عن النبى - ﷺ - وعن السلف - رضى الله عنهم - فمثاله: ما حكى من خلاف حول تفسير قوله تعالى: ((إنما المشركون نجس)) (٤)، فقد قيل "نجس" يعنى أنجاس الأبدان، ولذلك قال الحسن: من صافحهم فليتوضأ.
قال السيوطى فى الدر المنثور: أخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال: قال رسول - ﷺ - "من صافح مشركاً فليتوضأ أو ليغسل كفيه"، وأخرج ابن مردويه عن هشام بن عروة عن أبيه عن جده قال: "استقبل رسول الله - ﷺ - جبريل عليه السلام فناوله يده فأبى أن يتناولها، فقال: يا جبريل ما منعك أن تأخذ بيدى ؟ فقال: إنك أخذت بيد يهودى فكرهت أن تمس يدى يداً قد مستها يد كافر، فدعا رسول الله - ﷺ - بماء فتوضأ فناوله يده فتناولها" (٥)
وقيل: ليست النجاسة هنا نجاسة الأبدان بل هو خبث الطوية وسوء النية، وليس أخبث ولا أسوء من الشرك الذى انطوت عليه صدورهم وظهر على أعمالهم شئ.
قال ابن الجوزى:
وقيل: إنهم كالأنجاس لتركهم ما يجب عليهم من غسل الجنابة، وإن لم تكن أبدانهم أنجاساً، قاله قتادة.
وقيل: إنه لما كان علينا اجتنابهم كما تجتنب الأنجاس، صاروا بحكم الاجتناب كالأنجاس. وهذا قول الأكثرين، وهو الصحيح هكذا قال ابن الجوزى. (٦)
(٢) سورة آل عمران: ١٠٢.
(٣) سورة التغابن: ١٦.
(٤) سورة التوبة: ٢٨.
(٥) الدر المنثور - ٣/٤٠٩.
(٦) زاد المسير - ٣/٣١٦.