ومثاله قوله تعالى: ((وظنوا أنهم قد كذبوا )) (١) حيث قرئ بالتشديد والتخفيف فى لفظ (كذبوا ) هكذا " كُذِّبوا "، و" كذِبوا" فاما وجه التشديد فالمعنى: وتيقن الرسل أن قومهم قد كذّبوهم، وأما وجه التخفيف فالمعنى : وتوهم المرسل إليهم أن الرسل قد كذَبوهم - أى كذبوا عليهم - فيما أخبروهم به، فالظن في الاولى يقين والضمائر الثلاثة للرسل، والظن فى القراءة الثانية شك، والضمائر الثلاثة للمرسل إليهم. ومنه أيضاً قوله تعالى :(( وإن كان مكرهم لَتَزول منه الجبال)) (٢) بفتح اللام الأولى ورفع الأخرى فى كلمة "لتزول" وبكسر الأولى وفتح الثانية فيها أيضاً، فأما وجه القراءة الأولى فعلى كون " إنْ" مخففة من الثقيلة أى وإن مكرهم كامل الشدة تقتلع بسببه الجبال الراسيات من مواضعها، وفى القراءة الثانية " إن " نافية أى: ما كان مكرهم وإن تعاظم وتفاقم ليزول منه أمر محمد - ﷺ - ودين الإسلام.
ففى الأولى تكون الجبال حقيقة، وفى الثانية تكون مجازاً. (٣)
وبعد ففى هذين النقلين عن صاحب تفسير التحرير والتنوير عن الشيخ المحقق ابن الجزرى ما يوضح بجلاء أن القراءات منها ما يكون له تأثير على التفسير، ومنها ما يتعلق باللفظ فقط وهيئة أدائه وهو لا يؤثر على التفسير، وبحثنا الذى نحن بصدده يتعلق بالقسم الأول.

(١) سورة يوسف : ١١٠
(٢) سورة إبراهيم : ٤٦
(٣) نقلاً عن مناهل العرفان - ١/٨٥، ٨٦ باختصار وتصرف


الصفحة التالية
Icon