فإذا ما تجاوزنا الخلاف - فى التفسير أو فى الأحكام - بين المفسرين بسبب القراءات، أو بسبب اختلاف الاعتبارات حول القراءات، إذا ما تجاوزنا ذلك، وجئنا إلى اختلافهم - أى المفسرين - واختلاف النحاة معهم فى الأوجه النحوية فى هذه القراءات، فإننا نجد هذه الآراء النحوية فى قراءات القرآن الكريم، لا تقل كثرة عن الآراء التفسيرية، بل قد تتجاوزها بكثير داخل القراءة الواحدة، فما بالك حين تتعدد هذه القراءات، فإن الآراء النحوية تتعدد بتعددها، بل تتعدد داخل كل قراءة بعينها.
وليس من غرضى فى هذا البحث مناقشة الأوجه الإعرابية المتعددة داخل القراءة الواحدة، لأن ذلك مقبول، حيث إن تعدد الأوجه من طبيعة الإعراب، والاختلاف فى ذلك هو من قبيل احتمال اللفظ أو التركيب لهذه الأوجه جميعها.
وإنما غرضى هنا أن أناقش بعض النحاة ومن تبعهم من المفسرين فى رد بعض القراءات الثابتة، بحجة أنها تخالف قواعد نحوية، و سيأتى ذلك إنشاء الله فى المبحث الثالث.
الاختلاف فى القراءات الثابتة
ليس اختلاف تضاد بل هو اختلاف تلازم
الاختلاف ينقسم إلى قسمين :-
أحدهما : اختلاف تضاد وتناقض، وهو المعارضة من كل وجه بحيث لا يمكن الالتقاء مطلقاً.
وقد جاء تعريفه فى الإتقان بأنه ما يدعو فيه أحد الشيئين إلى خلاف الآخر (١).
ومثل هذا النوع لا وجود له فى القرآن الكريم مطلقاً، لا فى القراءات و لا فى غيرها، إلا ما كان من الناسخ والمنسوخ والقارئ بصير بأن مثل هذا لا يسمى اختلافا أصلا بعد رفع السابق من الحكمين و إحلال اللاحق محله.
ثانيهما - اختلاف تلازم، ويندرج تحت هذا الاختلاف فى وجوه القراءات.
وجاء فى الإتقان : اختلاف التلازم هو ما يوافق الجانبين كاختلاف وجوه القراءة …. (٢)
(٢) الإتقان ٢/٣١