إذن فالاختلاف فى القراءات ليس من قبيل الاختلاف على جهة التعارض و التضاد و إنما هو اختلاف تنوع له العديد من الفوائد سنذكرها فى محلها. أو أنه اختلاف فيما يبدو للناظر بعين غير مبصرة، وهو سريعاً ما يزول عند أدنى تدبر وهو ما يسمى بموهم الاختلاف.
ومثل ذلك لا يعد فى الحقيقة خلافاً يعتد به، بدليل أن القراء حين اختار كل منهم ما يقرأ به " لم يقرأوا بما قرأوا به على إنكار غيره، بل على إجازته، والإقرار بصحته، وإنما وقع الخلاف بينهم فى الاختيارات وليس ذلك فى الحقيقة باختلاف" (١)
ولايرد على ذلك إنكار بعض النحويين ومن تبعهم من المفسرين لبعض القراءات الثابتة، أو ترجيح بعضها على البعض، فإن منشأ ذلك هو عدم يقينهم بأن هذه القراءات توقيفية، وليست اجتهادية إضافة عدم الإلمام الكامل بكل وجوه العربية.
وكل ما أثاروه فى هذا المقام مردود عليه بما يفحم، لكن ما يثير العجب أن يأتى فى زماننا هذا من لايعرف من النحو إلا قشوراً فيدعى وجود اللحن فى القرآن فى قراءاته المختلفة، فاتحاً بذلك صفحة طويت من قديم حين أجاب العلماء المخلصون. عما أثير فى هذا المقام.
ولله در الإمام الغزالى حين قال: لو سكت من لا يعرف لقل الاختلاف (٢)
هل اختلاف القراء
من قبيل اختلاف الفقهاء ؟
والإجابة عن هذا التساؤل بالنفى، لأن خلاف الفقهاء إنما هو خلاف منبثق عن اجتهاد كل منهم،
وهذا أمر طبيعى، بسبب اختلاف المدارك، واختلاف طرق التتبع لكل فقيه، وقد يرجع الخلاف بينهم أحياناً إلى غياب الدليل عن بعضهم.
ثم هم أخيراً قد يختلفون فى فهم النصوص الواردة فى القرآن والسنة.
وحاصل ذلك أن اختلاف الفقهاء إنما هو اختلاف فى الرأى و الاجتهاد، كاختلاف المفسرين فى التفسير، أو المعربين فى الإعراب بينما تكون هذه الأوجه كلها محتملة.
(٢) نقله السيوطى فى الحاوى ٢/١١٦