وهذا يختلف ويفترق عن اختلاف القراء، فإن القراءات ثابتة بالنقل، لا بالاجتهاد، والخلاف بين القراء فى ذلك راجع إلى الاختيارات مع صحة الجميع كما مضى النقل عما قريب عن الشاطبى. و قال ابن الجزرى فى هذه المسألة:
اختلاف القراء كله حق وصواب نزل من عند الله، وهو كلامه لا شك فيه، واختلاف الفقهاء اختلاف اجتهادى، والحق فى نفس الأمر واحد، فكل مذهب إلى الأخر صواب يحتمل الخطأ، وكل قراءة بالنسبة إلى الأخرى حق وصواب فى نفس الأمر نقطع بذلك ونؤمن به ا. هـ (١)
وقريب من هذا المعنى كلام الشاطبى الذى نقلته قريباً، الذى لم يعتبر فيه ما نقل عن القراء مما يعتد به فى الخلاف.
النسبة بين القراءات والقرآن
القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان، فالقرآن هو الوحى المنزل للإعجاز والبيان. والقراءات اختلاف ألفاظ الوحى المذكور فى الحروف أو كيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرهما وحفظ القرآن فرض كفاية على الأمة ومعناه: ألا ينقطع عدد التواتر فلا يتطرق إليه التبديل والتحريف. وكذا تعليمه فرض كفاية والقراءات مثله (٢)
صور من اختلاف المفسرين لا يعتد بها فى الخلاف
أقول بادىء ذى بدء: ليس كل ما صورته الخلاف مما نلاحظه على أقوال المفسرين يعد خلافاً معتبراً. بل إن كثيراً من هذه الأقوال فى أغلب الأحيان تلتقى فى إطار واحد وما يمكن التقاؤه لا نستطيع أن نعتبره خلافاً معتداً به، ولذلك أسميناه سابقاً "خلاف التنوع"
يقول الشاطبى رحمه الله: الأقوال إذا أمكن اجتماعها والقول بجميعها من غير إخلال بمقصد القائل فلا يصح نقل الخلاف فيها عنه ……..
فإن نقل الخلاف فى مسألة لا خلاف فيها فى الحقيقة خطأ كما أن نقل الوفاق فى موضع الخلاف لا يصح (٣)
هذا هو الأصل الأول لما لا يعتد به من صور الخلاف بين المفسرين وهو ما كان ظاهره الخلاف وليس فى الحقيقة كذلك.

(١) أنظر مقدمة محاسن التأويل ١/٣١١
(٢) إتحاف فضلاء البشر صـ٧
(٣) الموافقات ٤/١٢١


الصفحة التالية
Icon