ومثال ذلك قوله تعالى: ((والذين يرمون أزواجهم ولم يكن معهم شهداء إلا أنفسهم...)) (١) فقد ذكروا حول نزول هذه الآيات أسباباً عديدة (٢) وقد نزلت الآيات عقبها جميعاً، فحكم على هذه الصورة بالحكم المذكور. وإن لم يجز التاريخ الزمنى بين هذه الوقائع المتعددة أو الأسباب المختلفة أن تكون الآية أو الآيات قد نزلت عقبها جميعاً حكم على هذه الصورة بتكرار نزول الآيات، ومثال ذلك نزول خواتيم سورة النحل ((وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ………….)) فقد جاء فى بعض الأسباب أنها نزلت يوم أحد، وفى بعضها الآخر أنها نزلت يوم الفتح، والفارق الزمنى بين أحد والفتح لا يتيح الحكم بأن يكون ذلك من باب تعدد الأسباب والمنزل واحد، ولذلك حكموا بأن الآيات قد تكرر نزولها مرة يوم أحد وأخرى يوم الفتح (٣)
وحكمة هذا التكرير تعظيم شأن هذه الآيات وتذكير المسلمين بها للعمل بما تأمر به أو تنهى عنه. ولا يغيبن عن البال أن الحكمين المذكورين حول تعدد أسباب النزول إنما هما خاصان بما إذا كانت هذه الأسباب فى درجة واحدة من الصحة، ولم يمكن الترجيح بينها، وإلا فإن الصحيح يقدم على الضعيف والراجح يقدم على المرجوح.
وقد كان من الممكن أن نجعل الحديث عن كون تعدد أسباب النزول مما لا يعتد به فى الخلاف بين المفسرين، كان من الممكن أن نجعله صورة مستقلة لكننا أدرجناه هنا لمناسبته للصورة المذكورة فى الترجمة من جهة كون سبب النزول مثالاً من أمثلة، وفرداً من أفراد تشملهم الآية أو الآيات ممن يتشابهون مع نفس الشخص الذى نزلت فيه الآيات من جهة كونهم قد وقع لهم ما وقع له.
الصورة الثانية

(١) سورة النور : آيات اللعان ٦ إلى ٩.
(٢) أنظر: الدر المنثور - ٥/٤٣ وما بعدها، أسباب النزول للواحدى - ص ٣٢٦.
(٣) أنظر: الدر المنثور - ٤/٢٥٥، و أنظر: مناهل العرفان - ١/١١٦ وما بعدها.


الصفحة التالية
Icon