أن يذكر فى النقل أشياء تتفق فى المعنى مع اختلاف الألفاظ والتعبيرات بينما ترجع فى الواقع إلى معنى واحد، فينقل ذلك كله على أنه خلاف وهو فى الحقيقة تفسير واحد، وقد قال فى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية حكاية لهذه الصورة، وإشارة إلى أنها من خلاف التنوع قال:
- ومما يرجع إلى اختلاف التنوع:- أن يعبر كل واحد - من المفسرين - عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه تدل على معنى فى المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمى. وذلك كما قيل فى اسم السيف: الصارم والمهند.
ومثاله أسماء الله الحسنى وأسماء رسوله - ﷺ - وأسماء القرآن، فأسماء الله الحسنى كلها على مسمى واحد، فليس دعاؤه باسم من أسمائه الحسنى مضاداً لدعائه باسم آخر، والحاصل: أن كل اسم من أسماء الله تعالى الحسنى يدل على ذاته وعلى ما فى الاسم من صفاته، ويدل أيضاً على الصفة التى فى الاسم الآخر بطريق اللزوم، وكذلك أسماء النبى - ﷺ - مثل محمد وأحمد والماحى والعاقب والحاشر.
وكذلك أسماء القرآن كالفرقان والهدى والشفاء والكتاب (١)
ويمثل لذلك بالخلاف السالف الذكر حول تفسير "الصراط المستقيم" حين فسر مرة بأنه القرآن وأخرى بأنه الإسلام، وعرفنا أن ذلك خلاف تنوع ؛ لأن دين الإسلام هو اتباع القرآن، وقد مثل له الشاطبى بخلاف المفسرين حول تفسير " السلوى" من آية ((وأنزلنا عليكم المن والسلوى)) (٢)، فقال: بعضهم عنه: هو طير يشبه السمانى، وقيل: طير حمر صفته كذا، وقيل: طير بالهند أكبر من العصفور، فمثل هذا يصح حمله على الموافقة وهو الظاهر فيها. (٣)
فهذه الأقوال كلها راجعة إلى مسمى واحد وهو الطير، ولأجل ذلك فإنه لا يعتبر خلافاً ما دام مرجعه إلى مسمى واحد فإن أسميناه خلافاً فهى تسمية مجازية لأن صورته صورة الخلاف والحقيقة أنه لا خلاف.

(١) مقدمة فى أصول التفسير - ص ٤٨ وما بعدها.
(٢) سورة البقرة : ٥٧.
(٣) الموافقات - ٤/١٢١.


الصفحة التالية
Icon