الصورة الثالثة:
أن تذكر أقوال متعددة حول تفسير الآية، بعض هذه الأقوال يتجه إلى تفسير اللغة بمعنى أن يذكر معانى الألفاظ حسب وضعها فى اللغة، وهو ما يسمى بالمعنى الأصلى للفظ، وبعضها يتجه إلى التفسير المعنوى يعنى المعنى المستعمل فيه هذا اللفظ.
ومثاله قوله تعالى: ((نحن جعلناها تذكرة ومتاعاً للمقوين)) (١) فإن القواء هى الأرض القفر، ولذلك يفسر "المقوين" بالنازلين بالأرض القواء، نزولاً على أصل معنى اللفظ فى اللغة وفسر كذلك بالمسافرين ؛ لأن هذا اللفظ صار يستعمل بهذا المعنى، ومثل هذا لا يعد خلافاً فالذين ينزلون الأرض القواء هم المسافرون إليها حيث يقال: أقوى الرجل أى نزل بالأرض القواء، وكيف ينزلها إلا إذا سافر إليها؟
ومنه أيضاً خلاف المفسرين حول المراد بلفظ "قارعة" فى قوله تعالى: ((ولا يزال الذين كفروا تصيبهم قارعة )) (٢) حيث قال بعضهم: المراد بالقارعة هنا الداهية أو النكبة تفجؤهم، يقال: قرعه الأمر يعنى أصابه، وأصل القرع الضرب. وقال بعضهم: بل المراد بالقارعة السرايا والطلائع. والمعنى تصيبهم سرية من سرايا رسول الله - ﷺ.
فالأولون فسروا اللفظ حسب أصل وضعه، والآخرون فسروه بمعنى مستعمل فيه، فالعرب استعملوا المقارعة بمعنى الضرب فى الحرب (٣)، ومثل هذا لا يعد خلافاً، ولذلك قال الشوكانى بعد أن حكى القولين: ولا يخفى أن القارعة تطلق على ما هو أعم من ذلك.(٤)
ويدخل فى ذلك لفظ " الغائط " إذ هو فى الأصل المكان المنخفض، وقد كانت العرب تقصده لقضاء الحاجة تستراً عن أعين الناس، ثم سمى الحدث نفسه بهذا الاسم.
(٢) سورة الرعد: ٣١.
(٣) أنظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووى - ٣/٨٨ - القسم الثانى.
(٤) أنظر: فتح القدير - ٣/١٠٤.